الدروس المستفادة من وباء كرونا
1/ الاستدلال على صفات ربنا جل جلاله كعظيم قدرته وقهره لعباده وعظيم بطشه وشديد انتقامه، وأن الحول والطول بيده، وهو قادر على أن يبدل حال الناس في طرفة عين، بعدما رأى الناس بأعينهم أن المصانع غلقت أبوابها، والمطارات علقت رحلاتها والجامعات عطلت دراساتها، وصار الناس حبيسي بيوتهم عاجزين عن الضرب في الأرض، مع ما تبع ذلك من فقد الوظائف وخسارة التجارات؛ قال تعالى {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} وقال سبحانه {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وإليك أنيب، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)
2/ الاستدلال على اسمائه الحسنى كاسمه القاهر واسمه القادر واسمه القوي واسمه العزيز واسمه العظيم
3/ ظهور صفات العجز البشري والضعف الإنساني؛ فهذه البشرية قد ظنت بنفسها الظنون؛ حتى حسبوا أنهم يفعلون ما يشاؤون ويحكمون كما يريدون؛ فأراهم الله عز وجل آية من آياته في فيروس صغير محتقر قلب حياتهم رأساً على عقب، وصدق الله العظيم إذ يقول {وخلق الإنسان ضعيفا} ويقول {إن الإنسان لظلوم كفار} ويقول {وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا} وما زال العالم يزهو بتقدمه العلمي وحضارته التكنولوجية ليأتي هذا الفيروس مؤكِّداً قول ربنا جل جلاله {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
4/ المبادرة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح؛ فإن نفوساً قد حصدها ذلك الفيروس، وأرواحاً قد أزهقت، وأمماً من الناس قد ماتت، ورأى كل إنسان بعينيه كيف يموت الشاب الفتيّ والفتاة الشابة في لمح البصر؛ فحمل ذلك من وفقهم الله للمبادرة بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى بعدما تبدلت معالم الأرض وتغيرت قوانينها، فما كان سهل المنال صار صعبا، وما كان قريباً أصبح بعيدا، وقد قال سبحانه {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وقال {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ويتوب الله على من تاب)
5/ قد كان في تلك المحنة العظيمة فرصة للتلاقي الإنساني والتلاقح الحضاري؛ حيث ظهرت من بعض الدول الأوروبية الرغبة الأكيدة في إعطاء الإسلام ودعاته فرصة في ظل ما أصاب الناس من هلع جامح من جراء تلك النازلة، فرأينا الأذان يرفع بمكبرات الصوت في بعض الدول الأوروبية، والناس يتجمعون لسماع كلماته التي تبث في النفس طمأنينة وراحة، ورأينا بعض الكنائس تفتح للمسلمين أبوابها ليقيموا صلاة الجمعة فيها، وصدق الله العظيم حين قال {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} وقال سبحانه {فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا}
6/ رجوع روح التدين إلى بعض الناس؛ وهذه هي الطبيعة البشرية التي تفزع إلى الدين حين الشدائد والملمات، وقد قال سبحانه {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} وقال سبحانه {وإذا مس الإنسان ضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} وقال سبحانه {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله} وقال النبي صلى الله عليه وسلم (تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)
7/ الأخذ بأسباب الوقاية، و لو قدَّر الله عزَّ و جلَّ على أحد الموت “ بفيروس كورونا ” بعد أخذه بالأسباب، فأجرهُ عظيمٌ عند الله عز و جل، فعن عائشة رضي الله عنها أنَّهَا سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه و سلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنَّه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِ) رواه البخاري.
8/ أحيت تلك الجائحة في المسلمين سنناً وآداباً كادت تنسى، ومن ذلك الحرص على النظافة والطهارة {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ومن ذلك ترك المألوفات التي اعتادوها، مثلما يتركون في الحج مألوفات ثيابهم وطيبهم، كذلك تركوا مع هذه الجائحة المصافحة والتقبيل، واكتفوا بالتحية من بُعْدٍ، وتجنبوا التجمعات في الأماكن العامة من الأسواق والقاعات وغيرها، واتبعوا السنة في الحجر الصحي بعزل المريض عن بقية الأصحاء طيلة فترة حضانة المرض، ووضعه تحت الرقابة الطبية الدقيقة.
والإسلام – بحمدالله – سبق العالم كله بتقرير هذا المبدأ الذي لم يعرفه العالم إلا في بداية القرن العشرين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ) رواه البخاري، وقال: (لا تُديمُوا النظرَ إلى للمجذومين) رواه ابن ماجه،
وروى مسلم في صحيحه عن الشَّرِيد بن سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ أنَّه: كانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فأرْسَلَ إلَيْهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إنَّا قدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ
ورَجُلٌ مَجذُوم » أي: مُصابٌ بِمَرَضِ الجُذَامِ، و هو مَرَضٌ مُعْدٍ، و أراد هذا المجذومُ أن يأتِيَ النبيَّ صلَّى الله عليه و سلَّم لِيُبايِعَه على الإسلام و الجِهاد فأرسَلَ إليه النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم ( إنَّا قد بَايَعْناك ) أي: بالقولِ من غيرِ أخْذِ اليَدِ في العَهْدِ، و فيه دلالة على ترك المصافحة في هذه الحالة.
ويندرج تحت القاعدة الفقهية: (لا ضرر ولا ضرار)، فيُمنع شرعاً مخالطةُ المريض مرضاً معدياً للأصحاء، لدفع ضرر الأمراض المعدية عموماً.
ومثل قاعدة: (الضرر يُدْفَعُ بقدْر الإمكان)، فهذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، وفقاً لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، فهي من باب الوقاية خيرٌ من العلاج، ويكون ذلك بتعميم الإجراءات الوقائية لدفع الإصابة بالأمراض المعدية، ومنع السفر وترك الاجتماعات، وهكذا فقد اتسعت الشريعة لهذا ولغيره من التدابير رفعاً للحرج وتيسيراً على الأمة.
9/ تعلم الناس من تلك الجائحة فضيلة أن تكون لهم صَنائعُ المَعروف وبذلُ الإحْسانِ؛ فهي من آكد الطاعات عند نزول البلاء، فعَنْ أَنسِ – رضي الله عنه – قال:
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، و الآفات، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ) رواه الحاكم.
10/ تذكر نعم الله عز وجل علينا؛ فكم من نعمة ظنناها حقاً مكتسباً فحرمنا الله منها بسبب هذا الوباء، ومن ذلك نعمة السفر والارتحال في أرض الله، ونعمة الاجتماع في الافراح والأتراح، ونعمة اللقاء بمن نحب وقتما نحب، وفي هذا نذكر قول ربنا سبحانه وتعالى {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم}