العقيدة

التداوي بعلم الحرف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

أولاً: لا يعلم الغيب إلا الله، قال الله تعالى {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} وأمر نبيه صلى الله عليه وسـلم  ـ وهو أشرف الخلق ـ أن يقول {لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} وأن يقول {لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} وكذلك الجن لا يعلمون الغيب كما قال سبحانه في قصة نبيه سليمان u {فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}

ثانياً: على المسلم أن يسعى لدنياه بالأسباب المباحة من الضرب في الأرض كما قال سبحانه {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} وأن يمارس من العمل ما يحصِّل به رزقاً حلالاً من احتطاب أو احتشاش أو رعي أو زرع أو اتجار أو صناعة أو غير   ذلك من أنواع العقود والتصرفات، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسـلم “أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور” رواه ابن حبان والحاكم

ثالثاً: على من ابتلي بداء في جسده أن يسعى للتداوي بالأسباب المشروعة من الرقية بالقرآن والأدعية النبوية، وكذلك عليه أن يلتمس الطب عند حذاق الأطباء ويتناول من الدواء ما لا يشتمل على محرم؛ لأن التداوي مشروع باتفاق العلماء لما ثبت في ذلك من السنة القولية والعملية، كحديث أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ أَنْزَل الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَل لِكُل دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلاَ تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ” رواه أبو داود، وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَتِ الأَْعْرَابُ يَا رَسُول اللَّهِ أَلاَ نَتَدَاوَى؟ قَال: “نَعَمْ عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إِلاَّ دَاءً وَاحِدًا” قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا هُوَ؟ قَال: “الْهَرَمُ” رواه الترمذي، وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آل عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ: فَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَال: “مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَل”. رواه مسلم

وأما السنة العملية فقد تداوى النبي صلى الله عليه وسـلم ووسف الدواء لكثير من الناس؛ وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما كان يقول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يَا أُمَّتَاهُ، لاَ أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِك، أَقُول: زَوْجَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، أَقُول: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ، كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَال: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَقَالَتْ: “أَيْ عُرَيَّةُ؟ إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُل وَجْهٍ، فَكَانَتْ تَنْعَتُ لَهُ الأْنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ عَلِمْتُ” وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَتْ أَسَقَامُهُ، فَكَانَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَيَصِفُونَ لَهُ فَنُعَالِجُهُ. رواه احمد

وقد اختلف العلماء في الحكم التكليفي للعلاج؛ فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه مباح؛ قال المالكية: لا بأس بالتداوي. وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى القول باستحبابه لما مضى ذكره من الأحاديث التي فيها الأمر بالتداوي، ومحل الاستحباب عند الشافعية عند عدم القطع بإفادته، أما لو قطع بإفادته كعصْب محل الفصد فإنه واجب.  وذهب الحنابلة إلى أن تركه أفضل، ونص على ذلك الإمام أحمد. قالوا: لأن ذلك أقرب إلى التوكل.

قَال ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله تعالى في زاد المعاد: فِي الأْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الأَْمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّهُ لاَ يُنَافِي التَّوَكُّل، كَمَا لاَ يُنَافِيهِ دَفْعُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، بَل لاَ تَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلاَّ بِمُبَاشَرَةِ الأَْسْبَابِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ مُقْتَضِيَاتٍ لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّل، كَمَا يَقْدَحُ فِي الأَْمْرِ وَالْحِكْمَةِ، وَيُضْعِفُهُ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ مُعَطِّلُهَا أَنَّ تَرْكَهَا أَقْوَى فِي التَّوَكُّل، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَجْزٌ يُنَافِي التَّوَكُّل الَّذِي حَقِيقَتُهُ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي حُصُول مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلاَ بُدَّ مَعَ هَذَا الاِعْتِمَادِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الأَْسْبَابِ، وَإِلاَّ كَانَ مُعَطِّلاً لِلْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ، فَلاَ يَجْعَل الْعَبْدُ عَجْزَهُ تَوَكُّلاً، وَلاَ تَوَكُّلُهُ عَجْزًا.ا.هــــــــــــــــــــــ

رابعاً: علم الحرف  أو علم الحرف الروحاني كما يسمونه هو من ضروب الدجل وادعاء معرفة الغيب وقد نص أهل العلم على تحريمه وأنه باب للضلال كبير، وممن نص على ذلك الإمام الذهبي رحمه الله، ولذا أنصحك أيها السائل أن تأخذ بالأسباب المشروعة وتدع ما سوى ذلك والعلم عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى