الحالات التي تجمع فيها الصلوات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد أجمع أهل العلم على أن صلاة الصبح لا تجمع مع غيرها، بل يجب إيقاعها في وقتها على كل حال، أما الجمع المشروع فإنه يكون بين الصلاتين المشتركتين في الوقت، وهي الظهران والعشاءان، وذلك إما أن يكون تقديماً أو تأخيراً أو جمعاً صوريا، وجمع التقديم معناه أن يصلي الظهر والعصر في وقت صلاة الظهر، أو المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب،وجمع التأخير معناه أن يصلي الظهر والعصر في وقت صلاة العصر، أو المغرب والعشاء في وقت صلاة العشاء، والجمع الصوري هو أن يؤخر الصلاة الأولى فيصليها في آخر وقتها ثم يصلي الثانية في أول وقتها، فصورة الفعل جمع بين الصلاتين، وحقيقته أنه أوقع كل صلاة في وقتها،.
وهذه الأنواع قد رخصت الشريعة فيها في حالات:
أولها: السفر؛ حيث ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ, ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا, فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قال الحافظ في بلوغ المرام: وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي «الْأَرْبَعِينَ» بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ, ثُمَّ رَكِبَ. فيجوز للمسافر إذا كان موعد تحرك الحافلة أو الطائرة بعد دخول وقت الظهر أن يصلي الظهر والعصر تقديماً قبل أن يركب، ولا يجب عليه أن يعيد العصر بعد ذلك حتى لو وصل مبكرا عند وقت العصر؛ لأنه صلاها بوجه جائز مشروع، ويقال مثل ذلك في المغرب والعشاء. وله أن يجمع تأخيرا كما لو أراد أن يركب قبل دخول وقت الظهر فإنه يؤخر الظهر ويصليها مع العصر جمع تأخير. فعن معاذ رضي الله عنه قال: قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا, وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسـلم كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا أعجله السير في السفر.
ثانيها: المرض؛ فالمريض الذي يخاف حصول إغماء أو حمى تمنعه أداء الفريضة في وقتها يجوز له تقديم إحدى الصلاتين المشتركتين أو تأخيرها؛ استدلالا بأن النبي صلى الله عليه وسـلم أمر المستحاضة حمنة بنت جحش بتأخير الظهر وتعجيل العصر. رواه الترمذي وقال :حسن صحيح. وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسـلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر). وفي رواية: (في غير خوف ولا سفر)
ثالثها: الجمع بسبب المطر أو الوحل مع الظلمة؛ فيجوز لأهل المساجد الذين يصلون جماعة أن يجمعو المغرب والعشاء جمع تقديم ليلة المطر في المسجد، وذلك إذا كان هنالك مطر نازل بالفعل وقت صلاة المغرب، أو كان نزوله متوقعاً أو كان هناك وحل وطين في الطرقات مصحوباً بظلمة، استدلالا بما في الموطأ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم (من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء. قال: وكان يصلي المغرب ثم يمكث هنية ثم يصلي العشاء. رواه ابن عبد البر في التمهيد.
فالمالكية والحنابلة رحمهم الله تعالى يجيزون الجمع بين العشائين بسبب المطر، لوجود المشقة في العشاء بسبب الظلمة، بخلاف الصلاة النهارية، أما الشافعية فيجيزون الجمع بين الظهر والعصر كذلك بسبب المطر؛ استدلالا بحديث ابن عباس رضي الله عنه (في غير خوف ولا مطر)
رابعها: الجمع بين الظهرين في عرفة والعشائين في المزدلفة