الصلاة خير من النوم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقول المؤذن الصلاة خير من النوم سنة نبوية تلقاها الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: علِّمني الأذان؟ فعلَّمه، وقال «فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله» وعن أنس رضي الله عنه قال «من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم» أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والبيهقي في سننهما، وقال البيهقي: إسناده صحيح. وصححه ابن السكن ولفظه «كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح» وروى ابن ماجه من حديث ابن المسيب عن بلال رضي الله عنه «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين فأُقرَّت في تأذين الفجر» فثبت الأمر على ذلك، قال ابن حجر في التلخيص الحبير: وفيه انقطاع مع ثقة رجاله، وذكره ابن السكن من طريق أخرى عن بلال، وهو في الطبراني من طريق الزهري عن حفص بن عمر عن بلال وهو منقطع أيضاً، ورواه البيهقي في المعرفة من هذا الوجه فقال: عن الزهري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن، أن سعداً كان يؤذن، قال حفص: فحدثني أهلي أن بلالاً فذكره. وروى الطبراني والبيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال «كان الآذان الأول بعد حي على الصلاة حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين» قال ابن حجر: وسنده حسن. وروى النسائي من حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال «كنت غلامًا صبيًا فأذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حنين، فلما انتهيت إلى حي على الفلاح قال «ألحق فيها الصلاة خير من النوم» وهذه الرواية صححها الإمام ابن حزم رحمه الله.
فالقائلون بأنها في الأذان الأول استدلوا بظاهر حديث ابن عمر الذي فيه «كان الآذان الأول بعد حي على الصلاة حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين» والقائلون بأنها تقال في الأذان الثاني قالوا: إن النداء الأول الذي يكون قبل الفجر في سدس الليل الآخر إنما جُعِل تنبيهاً للناس من أجل أن يغتسل الجنب ويوتر المتهجد، لا من أجل الإعلام بدخول وقت الصلاة، وعليه فإن هذه الكلمة تقال في الأذان الثاني الذي يكون بعد دخول الوقت بطلوع الفجر الصادق، وأما الروايات التي أفادت أنها تقال في الأذان الأول فإنها تُحمل على أن ذلك كان في أول الأمر ثم استقر على أن تكون في الأذان الثاني، أو أن كلمة الأذان الأول مراد بها الأذان الذي قبل الإقامة؛ لأن الإقامة في لسان الشرع يقال لها: أذان؛ كما في حديث «بين كل أذانين صلاة» فالأولية هنا بالنسبة للإقامة.
هذا وقد اشترط أهل العلم في المؤذن شروطاً أربعة وهي الإسلام والذكورة والبلوغ والعقل؛ قالوا: ويستحب أن يكون صيتاً – أي عالي الصوت – حسنه من غير تطريب وأن يؤذن مستقبل القبلة متطهراً قائماً، وألا يكون لاحناً لحناً يخل بمعاني الأذان، ولا شك أن قول هذا الرجل (النووء) بدل من (النوم) لحن مخل يجب عليه تعديله؛ فإن عجز فلا يحل له أن يؤذن مع وجود من يحسن الأذان، والعلم عند الله تعالى