حلفت كذبا لأتفادى دفع الضرائب
السؤال: أعمل في بلد غير بلدي وتطالبني حكومة بلادي بدفع ضرائب وزكاة سنوية فوق طاقتي؛ لأني أعول أسرة كبيرة ولا سبيل لتفادي هذه الضرائب التعسفية إلا بالحلف الكاذب لبيان الحال الوظيفي هنا، وأهلي ومن أعولهم أولى بكل دينار أدفعه والله أعلم بالحال؛ فهل يجوز لي أن أحلف كاذباً حول وضعي؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
أولاً: العامل في غير بلده طلباً للرزق الحلال هو على خير عظيم إن أحسن النية، وكان خيره متعدياً إلى أهله ورحمه، ويكفيه شرفاً أن الله تعالى جعل هذا الصنف من الناس قسيماً للمجاهدين في سبيله؛ فقال سبحانه )علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله( فالضارب في الأرض طلباً للحلال هو في جهاد إن شاء الله؛ كيف لا وقد هجر الأهل والوطن ابتغاء فضل الله.
ثانياً: الواجب على الدولة المسلمة ألا ترهق الرعية بكثرة الضرائب والمكوس؛ لأن ذلك جالب لكره الرعية لها وتمنيهم زوالها، وقد نطق لسان الشرع بعظم إثم المكاس الذي يجبي الأموال من الناس دون حق ويرهقهم ويعنتهم بكثرة طلبها، فصح عن النبي قوله بعدما رجم الغامدية التي زنت بعدما أحصنت {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له} قال النووي رحمه الله تعالى: فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرُّر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها.أ.هـ وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل الجنة صاحب مَكْسٍ} رواه أبو داود، قال ابن الأثير في النهاية: هو الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار.أ.هـ
ثالثاً: لو فرضت الدولة على بعض الرعية مالاً لتحقيق مصلحة عامة كحماية الثغور وبناء الجسور وشق الترع وتعبيد الطرق وإنشاء المدارس والمشافي وحفظ الأمن، وكان بالدولة حاجة إلى هذا المال وراعت في فرضه العدالة ولم تعنت الناس فلا حرج في ذلك، وعلى الموظف الذي يؤدي هذه المهمة أن يتقي الله في الناس وليحمل أقوالهم وأحوالهم على الصدق والسلامة وليعلم أن النبي r قال {اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه} وليتذكر الموظف أنه عما قريب سينتقل إلى الله حيث لا ينفعه هناك جاه ولا سلطان ولا رئيس، ولا يجد إلا عمله.
رابعاً: ليحذر كل مسلم من الأيمان الفاجرة لأنها من كبائر الذنوب وقد قال النبي r {الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس} رواه البخاري فالواجب عليك ألا تحلف وأنت كاذب، ولو اضطررت إلى ذلك اضطراراً صيانة لمالك ودفعاً للظلم عنك كان لك في التعريض مندوحة عن الحلف الكاذب، وحيث وقع الحلف منك فعليك التوبة والاستغفار، والله تعالى أعلم.