المعاملات المالية

رشوة عمال الحكومة

السؤال: ما قولكم في الأموال التي تجمع من المواطنين بواسطة اللجان الشعبية للتعجيل بإنجاز بعض المشروعات التي تقوم بها الحكومة والتي يعود نفعها لعموم الناس، وهذه الأموال تدفع للعمال القائمين على تنفيذ تلك الأعمال، حتى يسرعوا في العمل؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن الله تعالى يقول )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون( وقد ذكر أهل التفسير من بين أنواع أكل أموال الناس بالباطل أخذ الرشوة قلَّت أو كثرت. قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قلَّ أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه.أ.هـ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه {لعن الراشي والمرتشي} رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية ثوبان زاد {والرائش يعني الذي يمشي بينهما} رواه أحمد، قال ابن الأثير في النهاية: الرِّشوة والرُّشوة: الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء؛ فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا.

إذا عُلم هذا من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى فلا بد من بيان أمور يتضح بها الجواب عن المسألة:

أولها: أن الأصل في الرشوة أنه حرام على المعطي دفعها وعلى الآخذ قبضها أو الانتفاع بها؛ لعموم اللعن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ الواجب على من كُلِّف بعمل وتقاضى عليه أجراً أن يؤديه على الصفة المطلوبة في الوقت المطلوب دون أن يطلب زيادة أو يتحايل على أخذ شيء من الناس؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول} رواه أبو داود

ثانيها: أنه يستثنى من هذا الأصل أحوال الضرورة التي تتعين فيها الرشوة سبيلاً وحيداً للحصول على الحق أو الخلاص من ظلم. قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: الراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، وإنما تلحقهما العقوبة معاً إذا استويا في القصد والإرادة، فرشا المعطي لينال به باطلاً ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع به عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد. وقد روي أن ابن مسعود t أخذ في سبي وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خلي عن سبيله.أ.هـ ثم قال: وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه على حق يلزمه، فلا يفعل ذلك حتى يُرشى، أو عمل باطل يجب عليه تركه، فلا يتركه حتى يصانع أو يرشى.أ.هـ وقال ابن الأثير رحمه الله: فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لهذا، فأما ما يعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه.. ثم ذكر الرواية عن ابن مسعود وقال: وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم.أ.هـ

ثالثها: أنه يمكن لمن أراد من الناس استعجال قضاء حاجته من رصف طريق أو توصيل كهرباء أو مياه أو غير ذلك من المصالح الحاجية التي تُنزَّل منزلة الضرورة أن يكون بينهم وبين العمال عقد إجارة بعوض معلوم على أن يقوموا بإنجاز هذا العمل في غير الوقت المخصص لإنجاز العمل من قبل الجهة المخدِّمة،[1] وعلى ألا يتعمد أولئك العمال أن يبطئوا في العمل رجاء الدخول في عقد إجارة مع السكان؛ لأنهم في تلك الحال يكونون قد تحايلوا على أخذ الحرام، والعلم عند الله تعالى.

[1]  قال إمام الحرمين: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الأشخاص. البرهان/931

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى