عينات التقاوي للمزارعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا حرج في إعطاء العاملين من تلك التقاوي التي تقدم للمعمل كعينات لفحصها، وذلك لما يلي:
أولاً: أن هذه التقاوي لا تتعلق بها نفوس أصحابها بعد تقديمها للمعمل؛ بل الغالب أنهم يهملونها ولا يسألون عنها؛ والشريعة قد قضت بإباحة التصرف فيما لا تتبعه نفس صاحبه؛ بحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في اللقطة بين الجليل والحقير بهذا الاعتبار؛ فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان نائماً فوجد تمرة تحت جنبه فأخذها فأكلها ثم جعل يتضور من آخر الليل وفزع لذلك بعض أزواجه فقال اني وجدت تمرة تحت جنبي فآكلتها فخشيت ان تكون من تمر الصدقة
رواه الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن. بينما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رجلاً سأل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا ، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا – وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ قَالَ فَضَالَّةُ الإِبِلِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ – فَقَالَ وَمَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ. فدل ذلك على اعتبار الكثير الذي تتبعه نفس صاحبه وإهمال ما دون ذلك.
ثانياً: هذه التقاوي مآلها – كما ذكر السائل – إلى الإتلاف والإلقاء بعد مضي مدة معينة؛ وعليه فإذا كان هؤلاء المزارعون سينتفعون بها فهذا خير من إتلافها؛ لأن الله تعالى لا يحب الفساد، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم “من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل” والعلم عند الله تعالى