المعاملات المالية

أخذ حافز من الزبون مقابل الخدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فابتداء لا بد من الثناء على سؤال هذا الشخص، والذي يشي  بتحريه في أمر دينه، وحرصه على أن يطعم الحلال الطيب، وألا يدخل على نفسه مالاً من حرام أو شبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام” متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء؛ يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له”

وجواباً على ما سألت عنه؛ فلا بد من تكييف المعاملة التي بينك وبين الشركة، والتي تقوم على عقد إجارة مشتمل على حقوق وشروط وواجبات، وهذا العقد المبرم بينكما داخل تحت قوله تعالى {أوفوا بالعقود} وقوله صلى الله عليه وسلم “المسلمون على شروطهم” والواجب عليك التقيد بقوله صلى الله عليه وسلم “الدين النصيحة” فواجب عليك إتقان العمل وأداؤه على الوجه الأمثل والحرص على صيانة سمعة الشركة المخدِّمة لك؛ وذلك بأن تستفرغ وسعك وتبذل جهدك في ألا يرى الزبون منك إلا خيرا، وألا تطلب منه شيئاً من مال زائد على ما تعاقد عليه مع الشركة لا تصريحاً ولا تلميحاً، وبعدها لو طابت نفسه بأن يعطيك مبلغاً زائداً عن غير طلب فنرجو ألا يكون به بأس إن شاء الله؛ باعتباره هبة أو هدية من ذلك الشخص لك.

وأما سؤالك عن زبون يطلب منك قطعة غيار سعرها في السوق 100 جنيه فتأتيه بها بعشرين جنيهاً؛ فهذا عقد وكالة بينك وبين ذلك الزبون، ولما كانت الوكالة من عقود المعاوضات؛  فيجوز أن تكون بأجر أو بغير أجر؛ وهذا باتفاق الفقهاء؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَْمْرَانِ، حَيْثُ وَكَّل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَعُرْوَةَ البارقي فِي شِرَاءِ شَاةٍ، وَعَمْرًا وَأَبَا رَافِعٍ فِي قَبُول النِّكَاحِ لَهُ بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَأَيْضًا كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَيَجْعَل لَهُمْ عِمَالَةً، وَلِهَذَا قَال لَهُ ابْنَا عَمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ بَعَثْتَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّي إِلَيْكَ مَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُهُ النَّاسُ يَعْنِيَانِ الْعِمَالَةَ أَيِ الأُْجْرَةَ.

وقد نص أهل العلم على أنه َإِذَا اتَّفَقَ الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل عَلَى الأَْجْرِ وَجَبَ الأَْجْرُ اتِّفَاقًا؛ أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ الطَّرَفَانِ عَلَى الأَْجْرِ فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لاَ يَعْمَل بِالأَْجْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالأَْجْرِ – كما في الحالة المعروضة في السؤال – فَفِي الْحَالَةِ الأُْولَى تَكُونُ الْوَكَالَةُ تَبَرُّعًا، لأَِنَّ الأَْصْل فِيهَا ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ تُشْتَرَطِ الأُْجْرَةُ حُمِل عَلَى الأَْصْل؛ نَصَّتِ الْمَادَةُ ( 1467) مِنْ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ: “إِذَا اشْتُرِطَتِ الأُْجْرَةُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَوْفَاهَا الْوَكِيل اسْتَحَقَّ الأُْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ وَلَمْ يَكُنِ الْوَكِيل مِمَّنْ يَخْدُمُ بِالأُْجْرَةِ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالأُْجْرَةِ “.

أَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيل مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالأَْجْرِ لأَِنَّ طَبِيعَةَ مُهِمَّتِهِمْ تَقْتَضِي ذَلِكَ كَالسِّمْسَارِ وَالدَّلاَّل فَيَسْتَحِقُّ الْوَكِيل الأُْجْرَةَ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا وَقْتَ التَّعَاقُدِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْل.ا.هـــ

وعليه فإنه يجوز لك أن تقوم بما طلبه منك الموكِّل في شراء قطعة الغيار المعينة؛ وذلك في مقابل أجر معلوم؛ لكن لا يحل لك أن تقرر ذلك العوض من تلقاء نفسك، بل لا بد من التراضي بينك وبين  الموكِّل؛ لعموم قوله تعالى {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} ولا يحل لك أن تستولي على مبلغ الثمانين جنيهاً على اعتبار أنها أجرة لك؛ لأن أهل العلم قد اشترطوا في الوكيل – الذي هو أنت – شروطاً وهي:

الأْوَّل: أَنْ يَقُومَ الْوَكِيل بِتَنْفِيذِ الْوَكَالَةِ فِي الْحُدُودِ الَّتِي أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل بِهَا أَوِ الَّتِي قَيَّدَهُ الشَّرْعُ أَوِ الْعُرْفُ بِالْتِزَامِهَا.

الثَّانِي: مُوَافَاةُ الْمُوَكِّل بِالْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَتَقْدِيمُ حِسَابٍ عَنِ الْوَكَالَةِ.

الثَّالِثُ: رَدُّ مَا لِلْمُوَكِّل فِي يَدِ الْوَكِيل

وأما سؤالك الثالث فيُفهَم منه أنك قد وُكِلت في بثلاثة آلاف جنيه؛ فبعته بهذا السعر، ثم اشتريته من ذات الشخص الذي بعته عليه بألفين وسبعمائة جنيه؛ فإذا كان ذلك كذلك فلا حرج لأنهما عقدان منفصلان لا تعلق لأحدهما بالآخر؛ فيدخل كلاهما في عموم قوله تعالى {وأحلَّ الله البيع وحرَّم الرِّبا} وقوله صلى الله عليه وسلم “البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا” والعلم عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى