استئذان لجنة المسجد قبل الموعظة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن المساجد هي بيوت الله عز وجل التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وقد أعلى الله شأنها في كتابه؛ فذكرها في ثمان وعشرين آية من كتابه الكريم، وأضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، فقال سبحانه {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ورغَّب سبحانه في بنائها وعمارتها وأخبر أن عُمَّارها المؤمنون بالله واليوم الآخر؛ قال تعالى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فالمساجد دور عبادة وذكر وتضرع وخضوع لله سبحانه، ومواضع تسبيح، وابتهال وتذلل بين يدي الله سبحانه، ورغبة فيما عنده من الأجر الكبير، ومقام تهجد وترتيل لكتاب الله وحفظ له، وغوص وراء معانيه
وتعطيل المسجد، ومنع الناس من ذكر الله فيه ظلم، قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ $ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وجعل القرآن الكريم الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلباً من مطالب هذا الدين يشرع لأجله القتال في سبيله، قال تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} قال القرطبي رحمه الله تعالى عن هذه الآية: أي لولا ما شرعه الله سبحانه وتعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وعطَّلوا ما يبنيه أرباب الديانات من مواضع العبادات، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة.
في تفسير قوله تعالى {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله} قال الألوسي رحمه الله تعالى: والمراد بالعمارة ما يعم مرمة ما استرمَّ منها وقمها، وتنظيفها وتزيينها بالفرش، لا على وجه يشغل قلب المصلي عن الحضور، وتنويرها بالسرج ولو لم يكن هناك من يستضيء بها، وإدامة العبادة والذكر ودراسة العلوم الشرعية فيها ونحو ذلك، وصيانتها مما لم تُبنَ له في نظر الشارع كحديث الدنيا، ومن ذلك الغناء على مآذنها كما هو معتاد الناس اليوم لا سيما بالأبيات التي غالبها هُجْر من القول.
وعليه فإن كل من أراد أن يقدم للناس موعظة مؤثرة أو حكمة بالغة أو علما نافعاً فما ينبغي أن يمنع من ذلك في بيت الله، ولا أن يحال بينه وبين تبليغ دعوة الله عز وجل، والمانع له آثم؛ أما إذا علم من شخص ما أنه يثير فتناً وينشر بين الناس خلافاً ويضرب قلوب بعضهم ببعض؛ أو يقول على الله ما لا يعلم؛ أو يحدث الناس بما لا يعقلون، أو يثير شبهاً وأغاليط، أو يذكر أهل العلم والدعاة إلى الله بالسوء فما ينبغي أن يُمكَّن من الحديث في المسجد؛ لأنها ما بنيت لذلك، وقد عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغاً التميمي لما أكثر من السؤال عن متشابه القرآن ونفاه من المدينة إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يقوم في الناس خطيباً بأن صبيغاً طلب العلم فأخطأه!!
وعليه فإذا كان هذا الشخص الذي يستأذن من أهل العلم والفضل يريد بذلك الاستيثاق من علم المتحدث وعقله ومدى إفادته للناس فلا حرج، بل هو مأجور على ذلك، أما إذا كان غرضه الصدَّ عن سبيل الله، والتحكم في بيت الله، ومنع من لا يوافق هواه؛ فهو آثم مأزور
والذي ينبغي للجهة المسئولة عن المساجد أن تشكل لجنة من أهل العلم والفضل تقوم باختبار من يودون الحديث في المساجد، وتمنحهم رخصة أو بطاقة تفيد أهليتهم وجدارتهم لهذه المهمة العظيمة؛ وذلك رفعاً للحرج عن أئمة المساجد ولجانها؛ وحتى يسهل عليهم الإذن أو المنع لمن يطلبون الحديث خاصة دبر الصلوات المكتوبات، وذلك كله تنظيم محمود وغاية مشروعة للحفاظ على هيبة بيوت الله، والعلم عند الله تعالى