الصلاة في الحذاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد روى الإمام البخاري في صحيحه تحت عنوان: باب الصلاة في النعال، ثم ساق بسنده إلى أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. والحديث رواه الترمذي في سننه كذلك، وقال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن أبي حبيبة وعبد الله بن عمر وعمرو بن حريث وشداد بن أوس وأوس الثقفي وأبي هريرة وعطاء رجل من بني شيبة. قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم.ا.هــــ وروى ابن ماجة في سننه (بَابُ الصَّلاَةِ فِي النِّعَالِ) ثم ساق بسنده عن ابْنِ أَبِي أَوْسٍ قَالَ: كَانَ جَدِّي أَوْسٌ، أَحْيَانًا يُصَلِّي، فَيُشِيرُ إِلَيَّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَأُعْطِيهِ نَعْلَيْهِ، وَيَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ. قال الشيخ الألباني رحمه الله: صحيح.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح: قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والأخرى من باب جلب المصالح؛ قال: إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يُتجمل به فيُرجع إليه ويُترك هذا النظر. قلت: قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعاً {خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم} فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة.ا.هـــــ
ومعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان بناؤه من اللبن وأعمدته من جذوع النخل وسقفه من الجريد وفرشه من التراب، بخلاف المساجد في زماننا هذا، وعليه فإن الفتوى في هذا الباب بعد النظر في الأدلة وواقع الناس تكون على أن الصلاة في النعال مشروعة، لكن بشرطين:
الأول: ألا يكون في النّعلين أذى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى بأصحابه فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً. رواه الإمام أحمد وأبو داود.
الثاني: أن لا يكون هناك فُرُش تُمسك الأوساخ وتَعلَق بها روائح الأحذية. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذِ بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه أو ليصلِّ فيهما. رواه أبو داود.
وعليه فإن الصلاة في النعال مشروعة فيما لو كان الإنسان مسافراً مثلاً فنزل في فلاة من الأرض، وكانت نعلاه طاهرتين فله أن يصلي فيهما من غير كراهة، لثبوت السنة بذلك، ولأن صلاته بالنعال حينئذ لم تتعارض مع مصالح أخرى
أما أن يعمد إلى الدخول إلى المسجد بنعاله، وفي المسجد فرش وبسط، بما يؤدي إلى تغيير رائحة تلك البسط وتقذيرها بما يكون في اللعن من تراب أو أذى فإن ذلك لا يجوز؛ لأننا مأمورون بصيانة المسجد عن كل قذر، وقد قال سبحانه ((ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه)) وقال ((ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)) ولما في ذلك من أذية المسلمين وقد قال تعالى ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)) والله تعالى أعلم.ٍ