حكم صلاة الجمعة إذا اجتمع معها يوم العيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالذي عليه جمهور العلماء – ومنهم الحنفية والمالكية – إلى أنه إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فلا يباح لمن شهد العيد أن يتخلف عن الجمعة، قَال الدُّسُوقِيُّ: وَسَوَاءٌ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ بِمَنْزِلِهِ فِي الْبَلَدِ، أَوْ خَارِجَهَا.
وذهب الحنابلة إلى جواز أن يتخلف من صلى العيد عن الجمعة، لكن ينبغي له أن يصلي مكانها الظهر؛ كما يصنع المريض والمسافر والمرأة، ودليل ذلك ما رواه إياس بن أبي رملة قال: شهدت مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: أشهدتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم! قال فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، فقال: {من شاء أن يصلي فليصلّ} وقد صرح الحنابلة بأن إسقاط الجمعة هنا إسقاط حضور لا إسقاط وجوب فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ أَوْ شُغْلٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُهَا فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَالأَْفْضَل لَهُ حُضُورُهَا خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الإْمَامُ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)
وقد توسط الشافعية رحمهم الله تعالى فقالوا: إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد فإنه يجوز لأهل القرية الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد الرجوع وترك الجمعة، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَضَرُوا لِصَلاَةِ الْعِيدِ وَلَوْ رَجَعُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَاتَتْهُمُ الْجُمُعَةُ؛ فَيُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَرَكُوا الْمَجِيءَ لِلْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْحُضُورُ لِلْجُمُعَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْل دُخُول وَقْتِ الْجُمُعَةِ.
وذهب بعض أهل العلم بأن الظهر كذلك تسقط استدلالاً بما رواه عطاء بن أبي رباح قال {صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة} حيث إن الظاهر منه أن ابن الزبير لم يخرج قط إلا في صلاة العصر؛ لكن أجاب العلماء على ذلك بأنه يحتمل أن يكون قد صلاها في بيته، والله تعالى أعلم…