العبادات

قراءة القرآن مقابل المال

نشأت في بيئة ريفية وكان عمل والدي الوحيد هو القراءة في المآتم، ولم أعرف عملاً سوى ذلك، تزوجت وأنا طالب بالسنة الثالثة في الكلية، اطلعت على كلام العلماء وكتب الفقه فوجدت أكثر العلماء لا يجيزون هذا العمل وهو القراءة بأجر، فتركته وقمت بمشاركة أحد إخوتي بفتح أحد المشروعات وشاء الله أن يفشل المشروع، فوجدت نفسي بلا عمل، فاقترح علي بعض الناس الرجوع إلى القراءة في المآتم على أن يوجه الوجهة الصحيحة في خدمة الدعوة، وقال لي آخر: إنك مضطر لأنك متزوج وتعول أسرة، كما أن في الأمر خلافاً بين العلماء. أسألكم هل يجوز الرجوع إلى هذا العمل ولو لفترة مؤقتة حتى أنتهي من دراستي؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فالعزاء من سنن الإسلام التي واظب عليها نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فكان إذا مات لواحد من أصحابه ميت يعزيه بقوله: {إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب} ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يجتمع مع أصحابه لقراءة القرآن لذلك الميت ولا أن يجلب من يقرأ له؛ فلا شك أن هذا من الأمور المحدثة التي لم تعهد عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أهل القرون المفضلة فهي بدعة منكرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} والواجب على من وقع فيها أن يتوب إلى الله جل جلاله ويقلع عن تلك البدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:{أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته} رواه ابن ماجه.

وأما أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فليس محل خلاف بين أهل العلم بل محل الخلاف فيما كان نفعه متعدياً من تعليم للقرآن أو علاج به، والذي أنصحك به يا أخي أن تستعين على طلب الرزق بطاعة الله لا بمعصيته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم طلب الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله} قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود رضي الله عنه ، فاستعن بالله ولا تعجز ولا تسمع لهؤلاء الذين يسوغون لك ذلك العمل البدعي بدعوى أن فيه خلافاً بين العلماء، فليس كل خلاف ـ على فرض وجوده ـ معتبرا، إلا خلاف له حظ من النظر، واعلم بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وأما قولهم بأن هذا العمل يمكن توجيهه بما يخدم  الدعوة فلا شك أن في ذلك إسباغاً للمشروعية على تلك الأحفال المبتدعة التي تقام للعزاء، ومعلوم بأنه لا يجوز للمسلم أن يشارك فيها بدعوى توجيهها لخدمة الدعوة، والله الموفق والمستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى