الأزهر وأسماء الله الحسنى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد قال الله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال سبحانه {أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وقال {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} وقال {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى} قال أهل التفسير: والحسنى تأنيث الأحسن؛ كالكبرى والصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، وفي وصفها بالحسنى وجوه:
- أن أسماءه سبحانه وتعالى دالة على صفات كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى
- ما وعد عليها من الثواب بدخول الجنة لمن أحصاها
- أن حسنها شرف العلم بها، فإن شرف العلم بشرف المعلوم
- ومن تمام كونها حسنى لا يدعى إلا بها
وثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسـلم أنه قال “لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر” رواه الشيخان، وفي هذا الحديث مباحث:
أولها: أنه لا يراد بهذا العدد الحصر عند جمهور العلماء، بل المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، قال الخطابي رحمه الله تعالى: هو بمنزلة قولك: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وقولك: إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدرهم أكثر من ألف درهم ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب.ا.هـــ ويدل على صحة هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان عن ابن مسعود t أن النبي صلى الله عليه وسـلم كان يدعو فيقول “…أسألك بكل اسم هو لك سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك” وفي حديث عائشة رضي الله عنها”لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”
ثانيها: قوله “من أحصاها” قيل: أن يعدها حفظاً ويدعو ربه بها؛ كما في قوله سبحانه {وأحصى كل شيء عددا} واستدل لهذا المعنى الخطابي بقوله ـ في الرواية الأخرى ـ “من حفظها دخل الجنة” وقيل: المراد بالإحصاء الإطاقة؛ كما في قوله سبحانه {علم أن لن تحصوه} أي لن تطيقوه، وكقول النبي صلى الله عليه وسـلم “استقيموا ولن تحصوا” أي لن تبلغوا كل الاستقامة؛ فيكون المعنى: أن يطيق الأسماء الحسنى ويحسن المراعاة لها، وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بموجبها. وقيل: الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة فيكون معناه أن من عرفها وعقل معانيها وآمن بها دخل الجنة، وهو مأخوذ من الحصاة وهي العقل، تقول العرب: فلان ذو حصاة، أي ذو عقل ومعرفة بالأمور.
ثالثها: قد ورد عدُّ هذه الأسماء في حديث رواه الترمذي كالتالي، “هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الوارث الرشيد الصبور.
وهذا الحديث قد ضعفه الإمام الترمذي نفسه حيث قال رحمه الله تعالى: حديث غريب، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسـلم، ولا نعلم في كبير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسـلم وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح.ا.هـــ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي أنهم جمعوها من القرآن، كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد العلوي، والله أعلم.ا.هـــ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: الصحيح أنه _ أي العد – ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسـلم.ا.هــــ وقال الصنعاني رحمه الله تعالى: اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة.ا.هــــ وممن حكم بضعفها أبو العباس بن تيمية والحافظ ابن حجر العسقلاني رحم الله الجميع.
وخلاصة الأمر أن أسماء الله الحسنى لا تنحصر في التسعة وتسعين اسماً، وأنه لم يرد في تعيينها وجمعها نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم، بل الأمر محل اجتهاد حيث بذل العلماء رحمهم الله جهدهم في إحصائها من نصوص القرآن والسنة، ومن وفق إلى إحصاء تسعة وتسعين اسماً منها نال من الأجر ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسـلم،
ومهما يكن من أمر فإن الأسماء الواردة في السؤال قد دلت عليها نصوص القرآن والسنة، وليس فيها شيء ينكر، ولا حرج في طباعتها وتداولها، والله الموفق والمستعان