أحكام الصلاة

التبليغ خلف الإمام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فالثابت في السنة أن التبليغ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسـلم لم يكن سوى مرتين مرة صرع النبي صلى الله عليه وسـلم عن فرس ركبه؛ فصلى في بيته قاعداً؛ فبلَّغ أبو بكر عنه مع التكبير. كذا رواه مسلم في صحيحه، ومرة أخرى في مرض موته بلَّغ عنه أبو بكر، ولم يذكر أحد من العلماء تبليغاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسـلم إلا هاتين المرتين.

وعليه فإن التبليغ بعد الإمام يُشرع إذا كانت بالناس إليه حاجة؛ كأن يكون صوت الإمام لا يُسمع إما لعلة بالإمام أو لكون المسجد كبيراً ولا توجد مكبرات للصوت، أو لا تعمل بشكل جيد، ونحو ذلك من الأعذار؛ أما إذا انتفى هذا كله فلا يشرع التبليغ بعد الإمام بل يكون مكروهاً؛ لما فيه من إذهاب الخشوع أو بعضه، وإذهاب السكينة والوقار أيضاً وإيقاع التشويش والتخليط؛ كما بيّن ذلك أهل العلم كابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى حيث قال في كتاب المدخل: وقد اختلف العلماء في صحة صلاة المسمِّع الواحد وبطلانها على أربعة أقوال: تصح، لا تصح، الفرق بين أن يأذن الإمام فتصح أو لا يأذن فلا تصح، والفرق بين أن يكون صوت الإمام يعمهم فلا تصح أو لا يعمهم فتصح. وفي فتح العلي المالك للشيخ عليش رحمه الله: سمع ابن وهب من مالك رحمه الله تعالى: لو جهر المأموم بالتكبير وبربنا لك الحمد جهراً يسمع به من يليه فلا بأس وتركه أحب أليّ.ا.هــ وعليه فالواجب على كل مصل أن يصون صلاته من العبث والبطلان وأن يحرص على اتباع السنة ليكمل له الأجر والثواب وأن يخرج من الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلاً،

وقد قال أهل العلم: إن التبليغ لغير حاجة ليس بمستحب، بل صرح كثير منهم أنه مكروه، قال في تبيين المسالك: والجهر بتكبيرة الإحرام عندنا ـ أي المالكية ـ مستحب للإمام والفذ والمأموم، أما غيرها من التكبير فيستحب الجهر به للإمام فقط، وأما الفذ والمأموم فيندب لهما الإسرار به، ونظم ذلك أحد فقهائنا فقال:

الجهرُ في تكبيرة الإحرامِ                    يُندَب مطلقاً وللإمـامِ

يُندب فيما غيرُها وغيرُه                    يُندبُ سرُّه وكُرِه جهرُه

 وأما عند الحاجة فلا بأس به، كما لو كان المسجد كبيراً وصوت الإمام لا يسمع لمن كان بعيداً عنه، أو كان في مكبر الصوت خلل؛ فاحتاج الناس إلى شخص أو أكثر يبلغون صوت الإمام لهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ اقتداءً بفعل الصديق أبي بكر  رضي الله عنه، والعلم  عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى