جمع الظهر والعصر بسبب المحاضرات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالواجبُ أن يُعلم أن الصلاة هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفريضة التي لا تسقط بمرض ولا شيخوخة ولا فقر ولا حرب؛ بل الواجب أداؤها في أوقاتها على كل حال؛ لقول الله تعالى )إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا( وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه وقد شكا إليه البواسير {صلِّ قائماً؛ فإن لم تستطع فقاعداً؛ فإن لم تستطع فعلى جنب} وهي أولُ ما يُحاسب عليه العبدُ يوم القيامة من حقوق الله جل جلاله، وقد توعَّد ربنا عز وجل بالويل من تهاون بها أو فرَّط فيها؛ فقال جلَّ من قائل )فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ^ إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا( وقال سبحانه )فويل للمصلين ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون( وجعل التكاسل عنها سمةَ أهلِ النفاق فقال )إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا(
بناء على ما مضى تقريرُه فإن الواجب على المسئولين في المدارس والجامعات أن يراعوا أوقات الصلوات عند وضع الجدول، وأن يكونوا قدوة لطلابهم في المحافظة عليها والحرص على أدائها، وأن يحرصوا – ما استطاعوا – على عدم التعارض بين أوقات الصلوات وزمن المحاضرات؛ لئلا يفتنوا الطلاب في دينهم؛ ولئلا يكون ذلك سبباً لضعاف الإيمان ليتهاونوا بالصلاة.
فإن كان التعارض قائماً ولا يمكن تلافيه فإن الواجب على الأستاذ المحاضر أن يسمح للطلاب بدقائق معدودة يؤدون فيها صلاتهم، مقتصرين على الفريضة فقط، ويؤجلوا السنة الراتبة – قبلية أو بعدية – إلى وقت آخر؛ ليجمعوا بين الحسنيين من المحافظة على الصلاة في وقتها، والحرص على الأخذ بالأسباب المحصِّلة للعلم النافع.
وقد قرَّر أهلُ العلم أن الجمع أوسع من القصر؛ بمعنى أن القصر لا يجوز إلا لسبب واحد هو السفر؛ أما الجمع فيجوز للسفر والمرض والمطر والمشقة؛ استدلالاً بحديث ابن عباس L {أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء} متفق عليه. وفي لفظه للجماعة إلا البخاري وابن ماجه {جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر} قيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: {أراد أن لا يحرج أمته} قال الشوكاني رحمه الله تعالى: وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقاً بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقاً وعادة. قال في الفتح: وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث.ا.هـــ
فما دام عذر هؤلاء قائماً فلهم مندوحة في الجمع بين العصر والظهر تقديماً متى ما حصل العذر؛ وإلا فالواجب إيقاع كل صلاة في وقتها، والله الهادي إلى سواء السبيل،،