أحكام الأطعمةأحكام الطهارة

الإستفادة من الخمر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فالعلماء رحمهم الله تعالى مختلفون في نجاسة الخمر ابتداء أهي نجاسة حسية – كنجاسة البول والدم – أو هي نجاسة معنوية – كنجاسة المشرك – فذهب أكثر أهل العلم – ومنهم الأئمة الأربعة – إلى أن نجاستها حسية؛ بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك؛ وممن حكى الإجماع الغزالي كما نقل ذلك النووي عنه في المجموع؛ استدلالاً بقوله تعالى في وصفها {رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} والرجس في كلام العرب هو النجس. وقوله تعالى عن شراب أهل الجنة {وسقاهم ربهم شراباً طهورا} قالوا: فلو كانت الخمر طاهرة لفات الامتنان على أهل الجنة بطهارة شرابهم، وبما رواه أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نجاور أهل كتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها – أي اغسلوها – بالماء، وكلوا واشربوا. وقد ناقش الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب الاستدلال على نجاسة الخمر بهذا النوع من الاستدلال، ثم قال رحمه الله: وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظاً وزجراً عنها قياساً على الكلب وما ولغ فيه.ا.هـــــ

وذهب بعضهم – ومنهم ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك والليث بن سعد وداود بن علي الظاهري والمزني من الشافعية – ومن المعاصرين العلامة الطاهر بن عاشور والعلامة محمد بن عثيمين – إلى أنها نجاسة معنوية؛ استدلالاً بأن الخمر لما حرمت أراقها الصحابة حتى سالت في طرقات المدينة، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الطرقات منها، أو التحرز من أن تصيب ثيابهم؛ وبدلالة الاقتران؛ حيث جاءت في الآية معطوفاً عليها الميسر والأنصاب والأزلام، وهي ليست نجسة اتفاقاً، والقران في اللفظ يدل على القران في الحكم

وقد نص أهل العلم من الشافعية والحنابلة والمالكية في رواية على إباحة الخل المتخذ من الخمر إذا حصل تخلله بنفسه دون تدخل بشري؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال “لا” وذلك في معرض جوابه عن تخليله لليتامى مع حاجتهم للمال عن طريق بيعه؛ فلو كان مباحاً لأذن فيه لليتامى؛ فدل على حرمة تخليل الخمر

وذهب الحنفية والمالكية في رواية إلى جواز تخليل الخمر وأنه يطهر بذلك، ويمكن في زماننا الأخذ بهذا القول خاصة مع ما حصل من تطور الأجهزة المعينة على ذلك بما يحقق الاستحالة التي نص عليها الفقهاء؛ قال النووي رحمه الله في المجموع: الاستحالة انقلاب الشيء من صفة إلى صفة أخرى.ا.هـــــــــــــ وقال في مواهب الجليل: هي تحول المادة عن صفاتها وخروجها عن اسمها الذي كانت به إلى صفات واسم يختص بها.ا.هــــــ

وعليه فإذا تحققت الاستحالة بالمعنى الذي ذكره الفقهاء جاز استعمالها في العادات والعبادات، والعلم عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى