التنبؤ بالمستقبل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فإن كان هذا الشخص يعتقد أنه يعلم الغيب، وهو مصر على ذلك بعد بيان الحق له فليس هو من أهل الإسلام، بل هو كافر كفراً أكبر يخرجه من الملة؛ لأن من اعتقد أن أحداً سوى الله تعالى يعلم الغيب فقد خرج من الإسلام؛ لقوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} وقوله سبحانه {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وقوله سبحانه {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} وقوله سبحانه {فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
وعليه فإن الواجب اللجوء إلى المحكمة لإقامة الحجة عليه ثم أخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود إن أصر على ما هو عليه من ضلال
هذا والواجب على من بسط الله يده وولاه أمر المسلمين أن يصون دينهم من عبث العابثين، وأن يأخذ على أيدي السفهاء الذين يلبسون الحق بالباطل ويشوشون على الناس دينهم، وعلى رأس هؤلاء الكهان والمنجمون والمشعوذون، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فأما الغش والتدليس في الديانات، فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الأقوال والأفعال، مثل إظهار المكاء والتصدية في مساجد المسلمين، ومثل سب جمهور الصحابة وجمهور المسلمين أو سب أئمة المسلمين ومشايخهم وولاة أمورهم المشهورين عند عموم الأمة بالخير، ومثل التكذيب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسـلم التي تلقاها أهل العلم بالقبول، ومثل رواية الأحاديث الموضوعة المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسـلم، ومثل الغلو في الدين بأن ينزل البشر منزلة الإله، ومثل تجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسـلم، ومثل الإلحاد في أسماء الله وآياته، وتحريف الكلم عن مواضعه، والتكذيب بقدر الله، ومعارضة أمره ونهيه بقضائه وقدره، ومثل إظهار الخزعبلات السحرية والشعوذة الطبيعية وغيرها التي يضاهي بها ما للأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات، ليصد بها عن سبيل الله، أو يظن بها الخير فيمن ليس من أهله، وهذا الباب واسع يطول وصفه، فمن ظهر منه شيء من هذه المنكرات وجب منعه من ذلك وعقوبته عليها إذا لم يتب حتى قدر عليه، بحسب ما جاءت به الشريعة من قتل أو جلد أو غير ذلك”
هذا ولا يحل لمسلم إتيان هؤلاء ولا سؤالهم ولا تصديقهم في شيء مما يخبرون به، بل الواجب هجرهم والإنكار عليهم وبغضهم في الله تعالى؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسـلم أنه قال “من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما” قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما، ولكنه ليس على إطلاقه; فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالاً مجردا; فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم “من أتى عرافا”؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه; إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله; فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ }.
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله; فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد; فقال: “ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال: اخسأ; فلن تعدو قدرك” رواه البخاري؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له; لأجل أن يختبره، فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور يتبين بها كذبه وعجزه، وهذا مطلوب، وقد يكون واجبا. وإبطال قول الكهنة لا شك أنه أمر مطلوب، وقد يكود واجبا، فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى.ا.هــــ والعلم عند الله تعالى.