خطبة الجمعة 10/1/2009 – أحداث غزة
خطبة الجمعة يوم 12/1/1430 الموافق 10/1/2009
اللفت إلى معان إيجابية تشرق من خلال هذه المأساة، حتى لا يكون الحديث حديثاً يجتر الألم بطريقة تملأ النفوس باليأس والتوتر ومنها:
أولاً: أن ما قام به المعتدون اليهود في هذا العام 2008 هو ذاته ما قاموا به عند تأسيس دولة إسرائيل عام 1947-1948 م، فهم يقومون بذات المذابح لأنهم يعيشون ذات المواجهة، إن الرفض الذي ووجه به اليهود من الشعب الفلسطيني قبل ستين سنة هو ذاته الرفض الذي يعيشه اليهود اليوم.
إن المؤسسين الأوائل لإسرائيل: بن غوريون وحايم ويزمان وليفي أشكول وغيرهم لم يكن يخطر ببالهم أنه بعد ستين سنة سيجدون أنفسهم في المربع الأول من المواجهة مع هذا الشعب الصامد الصابر، وأنهم سيستمرون بعد ستين سنة على نفس الأسلوب الذي بدؤوا به.
لقد كانت أحلامهم أنه بمرور الوقت سيتم تهجين الفلسطينيين ليكونوا دواجن في الحظائر اليهودية، وإذا بهم بعد ستين سنة يعيشون ذات المواجهة ويتعاملون معها بذات الأسلوب، وإذا بأهلنا في فلسطين هم هم، كما كانوا، ما خانوا ولا مانوا، ولا ضعفوا ولا استكانوا، ليقول يهود كما قال آباؤهم من قبل (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) إن هذا يملأ قلوبنا ثقة وعزماً بل نشوة وزهواً بهذا الشعب الذي توارث أجياله ذات الصلابة وذات القوة بصبر لا يلين وإن عقباهم لعقبى البشرى للصابرين.
ثانياً: إننا شهدنا تفاعل المسلمين وانفعالهم في جميع أقطار العالم الإسلامي، لقد رأينا أخواتنا في المظاهرات التي سارت في أقصى المغرب ومصر وباكستان وهن يبكين كأنما هن ثكالى بأبنائهن، ورأينا إخواننا وهم يتحدثون بحزن وغضب وكأنما الجراح بغزة على قلوبهم، إن هذا التفاعل يدل على سريان الحياة في الجسد الواحد، وعلى تداعي هذا الجسد لآلام غزة بالحمى والسهر، وعلى ترابط هذا البنيان المرصوص.
ثالثاً: إن هذه الأحداث على ألمها قد أعادت تصوير القضية الفلسطينية كما هي بعد أن تعرض مفهوم القضية ومفهوم الصراع لأنواع من التحريف ورأى الناس جميعاً ما قام به اليهود فإذا به امتداد لجرائمهم التي قامت عليها دولتهم أول ما قامت، فمجزرة غزة امتداد لمجزرة دير ياسين والمجازر معها، وما قامت به حكومة إسرائيل هو امتداد لمجازر عصابات شتيرن والهاجانا والأرغون.
وقادة إسرائيل اليوم ليسوا إلا أبناء أولئك المجرمين وهذه تسيبي ليفني كان أبوها وأمها أعضاء في عصابة الأرغون التي كان يقودها مناحيم بيغن والتي قامت بالمذابح وأعمال التخريب.
إن هذا كله يبين أن ما تفعله إسرائيل الآن في غزة ليس فلتة أو غلطة وإنما هو حلقة في سلسلة، وإن ذلك يزيل الغشاوة عن عيون الذين يتصورون أن إسرائيل ستكف يوماً عن جرائمها، وأن إسرائيل بعد عام أو عامين لن تكون هي إسرائيل الآن.
رابعاً: أن هذه الأحداث عندما تقع فإنها تدفع بقضية فلسطين إلى الواجهة في اهتمامات المسلمين وتذكرنا بأن فلسطين كانت ولا زالت جرح الجبين، وأن المسلمين إذا كان هناك ما زاحم اهتمامهم بهذه القضية فإن هذه الأحداث تدفع بالقضية إلى الواجهة من همومهم واهتماماتهم، وتعيد الحيوية لهذه القضية.
خامساً: إن مشاهد المظاهرات أمام بنوك التبرع بالدم تبين لنا أن هذه القضية تسري في دماء الأمة، وأن دم إخواننا في فلسطين هو دمنا، وإن دماءنا سوف تسري في شرايين أهلنا.
تحذيرات
أولاً: إن هذا الحدث ينبغي أن يكون سبب تجاوز أهلنا في فلسطين لاختلافاتهم وأن يتوجه الجهد كله إلى العدو الإستراتيجي الأول وهو هذا الكيان اليهودي الصهيوني.
وإن علينا ألا نطرب اليهود المعتدين بإسماعهم عبارات التلاوم والوقيعة بعضنا ببعض في هذا الظرف الشديد الوطأة، إن حصول الاختلافات وتباين وجهات النظر أمر متوقع ولكن هذا الظرف الاستثنائي ينبغي أن يسمو بنا فوق هذه الاختلافات، عملاً بقول الله عز وجل (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) إن هذه الآية تدلنا على أن عدم التنازع ليس أمنية ولا دعوى ولكنها مجاهدة مريرة تحتاج إلى صبر جميل.
وعلينا أن ننظر إلى حال اليهود الذين وصفهم الله بقوله (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) ومع ذلك نراهم الآن قد تجاوزوا هذه العاهة في هذا الظرف فأوقفوا حملاتهم الانتخابية ووحدوا كلمتهم ونقل رئيس الوزراء مكتبه إلى وزارة الدفاع مما يدل على أن القضية عندهم قد توحدت في هذا البغي والعدوان. أفلسنا أولى أن نكون أهل التوحد في هذه الظرف العصيب.
ثانياً: ينبغي ألا يكون همنا محصوراً بكيف نعبر عن انفعالنا، وإنما علينا التفكير بما هو الأجدى من أفعالنا، وذلك بتوجيه الانفعالات إلى الوجهة الرشيدة، ينبغي أن لا نجعل اليهود يستمتعون بمشاهد الدم المسلم ينتثر في أماكن لم يصل إليها قصفهم وأن لا يعيشوا سعادة النظر إلى الدم المسلم يسفك نتيجة الاشتباكات بين الجماهير ورجال الأمن في عواصم الدول الإسلامية، إن رجل الأمن ليس هدفاً في هذه المعركة. والمظاهرات ينبغي أن تكون رسالة حضارية إلى العالم وليست انفعالاً غوغائياً.
اقتراحات
على الخطباء والمتحدثين أن يتولوا هندسة الانفعالات فإن هذا الفعل العدواني فد تجاوز حدود المعقول وهو يدفع إلى رد انفعالي يتجاوز حدود المعقول ما لم يقم العلماء والدعاة والخطباء بمسؤوليتهم في توجيه هذا الانفعال.
ينبغي أن يوجه الناس إلى ما يستوعب انفعالهم ويحي تفاعلهم بما يتناسب وضخامة الحدث كالتبرع بالدم والتبرع الإغاثي بالمال، إلا أن علينا مع ذلك أن نوجه الناس إلى أن يكون هذا التبرع مشروعاً طويلاً وان تكون المساعدات مساعدات تتصف بالديمومة.
1- علينا أن نعلم أن كل من يعيش داخل فلسطين هو مرابط من المرابطين، التلميذ في مدرسته، والأم في بيتها والمزارع في حقله كل هؤلاء الذين تنغرس جذورهم في هذه الأرض هم الأزمة الحقيقة لليهود داخل فلسطين، ومجرد بقائهم وصبرهم ومصابرتهم جهاد ورباط ينبغي أن يعانوا عليه، وذلك بتيسير وسائل العيش الكريمة والحياة المستقرة.
ولذا فإن من المهم أن يتوازى مع إغاثة هذه النكبة مشاريع إغاثية لها طابع الاستمرار ككفالة الأطفال ولا أقول الأيتام فكل طفل في فلسطين بحاجة إلى كفالة، وكفالة الطلاب حتى يكملوا تعليمهم وكفالة الأسر حتى ترعى أبناءها.
2- مناشدة الحكومات بدعم له طابع الاستمرار، وإذا كان على الأفراد واجب كفالة الأفراد فإن على الأجهزة الحكومية في الدول الإسلامية كفالة المرافق العامة في فلسطين ولو أن الجامعات العربية تكفلت برعاية الجامعات داخل فلسطين، والبلديات تكفلت بدعم منتظم للبلديات، ووزارات الصحة تكفلت بالمستشفيات إذا لتحسنت الأوضاع هناك كثيراً، وتأهل أهلنا في فلسطين لمصابرة طويلة، ولأحسوا أن أيدي إخوانهم المسلمين حكومات وشعوباً في أيديهم.
3- علينا عدم تعليق آمال الناس بالحلول العاجلة حتى لا تفاجأ الأمة بأنها عاجزة ثم يسيطر اليأس عليها، وإنما علينا التركيز على الحلول ذات النفس الطويل، ومحاولة علاج الأمة من الانفعالات المناسباتية القصيرة المدى، إنه علينا أن نذكر الناس أن فلسطين تعيش معاناة منذ ستين سنة وربما تستمر ستين سنة أخرى، ولذا لا بد أن يكون هناك عمل حاضر في كل وقت، ولقد أصبح لدينا خبرة في هذه الانفعالات ومداها ولذا فإن استثمارها خير من تركها حتى ينسيها الزمن.
4- تعاون الجماهير مع الحكام، وذلك بان تمكن الحكومات الجماهير من أداء واجبها وتحمل مسؤوليتها تجاه أهلهم في غزة بتيسير وصول المساعدات، وهذا الموقف يرفع الحرج عن الحكام أمام شعوبهم وأمام الرأي العام العالمي.
5- أن يتعاون العلماء والإعلاميون بتحقيق وئام اجتماعي وفكري في الأمة بحيث تجتمع الأمة على كلمة سواء تجاه قضاياها الكبرى بعيداً عن التخالف والتباعد والتدابر، وكونوا عباد الله إخوانا (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
6ـ إننا نخطئ كثيراً حين نناشد في بياناتنا المجتمع الدولي والعالم الحر أن يلتفت لما يحدث لإخواننا؛ إننا نعلم يقيناً أنهم لا يسمعوننا ولو سمعوا لما استجابوا لنا