خطبة الجمعة 17/1/2014 – الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبة يوم الجمعة 16/3/1435 الموافق 17/1/2014
فإن الله تعالى قد أوجب علينا أن نتأدب مع رسوله صلى الله عليه وسـلم في حياته وبعد مماته، نتأدب معه حال خطابنا معه ومناداتنا إياه، وعند سماع حديثه وإنصاتنا إلى كلامه، وأن نتخير من الألفاظ أعذبها وأفضلها حين نتناول شأناً من شئونه، وأن نترك الألفاظ التي فيها احتمال لأمر لا يليق بالجناب النبوي الشريف؛ فذلك علامة الإيمان وعنوان الفلاح، وقد تتابعت في ذلك النصوص من القرآن والسنة.
- في سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا} روي أن سعد بن معاذ t سمع اليهود يقولون تلك الكلمة )راعنا( لرسول الله e فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله e لأضربن عنقه. قالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونُهي المؤمنون عنها
- وفي تحقيق المقصد نفسه جاءت آيات أخرى في القرآن كقوله سبحانه )لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً( وقوله سبحانه )لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض( وقوله سبحانه )لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا( وأمرت الآية المؤمنين كذلك بأن يحسنوا الاستماع لما يلقى عليهم من الأوامر والنواهي الشرعية بآذان واعية وأذهان حاضرة؛ حتى لا يحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة ولئلا يكون سماعهم كسماع اليهود حين قالوا )سمعنا وعصينا(، وتوعدت الآية الكفار الفجار أعداء الله ممن تعمدوا إساءة الأدب مع النبي الأكرم e بعذاب مؤلم؛ جزاء على كفرهم وسوء أدبهم مثلما توعدهم ربنا في آية أخرى بقوله سبحانه )وإذا جاؤوك حيَّوك بما لم يحيِّك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير( واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب، وخسة الوسيلة، وانحطاط السلوك.
- إن الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسـلم حديث تنشرح له صدور أهل الإيمان، وتشتاق له نفوس الصالحين من عباد الرحمن؛ ويدفع العاملين إلى الاستقامة على الصراط المستقيم، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قد خصَّه الله تعالى بخصال رفيعة كثيرة انفرد بها عن بقية الأنبياء السابقين عليهم السلام فهو أول من يعبر على الصراط يوم القيامة، وأول من يقرع باب الجنة ويدخلها، وله المقام المحمود ولواء الحمد، وهو أول شافع ومشفع. وفي هذه الخطبة أستعرض معك شيئاً من الحقوق الواجبة علينا تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
- من الأدب معه صلى الله عليه وسـلم طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله تعالى إلا بما شرع.
- من الأدب معه تحقيق محبته اعتقاداً وقولاً وعملا؛ وتقديمها على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم حيث قال عمر للعباس “إسلامك يوم أسلمت أحبُّ إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ وما ذاك إلا لأن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسـلم” وقال علي رضي الله عنه “كان رسول الله صلى الله عليه وسـلم أحبَّ إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ” وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه “ما كان أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسـلم ولا أجلَّ في عينيَّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت” ومن محبته صلى الله عليه وسـلم الإكثار من ذكره والشوق إلى لقائه، ومحبة من أحبهم من المهاجرين والأنصار، وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم، والشفقة على أمته والسعي في مصالحها ودفع المضار عنها؛ كما كان عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوفاً رحيما.
- من الأدب مع النبي صلى الله عليه وسـلم متابعته والاقتداء به، يقول القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من أحبَّ شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدّعياً، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: {إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} كما أن من متابعته صلى الله عليه وسلم التمسك بسنته والحذر من الابتداع في دين الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد« يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث: (فهذا الحديث يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره ها هنا دينه وشرعه، فالمعنى إذاً: أن مَن كان عمله خارجاً عن الشرع ليس متقيداً بالشرع فهو مردود).
- ومن الأدب معه صلى الله عليه وسـلم أن الله تعالى أمر بتعزيره وتوقيره. والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة وإجلال وقد قال الله تعالى: {إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فأخبر – سبحانه – أن شانئه (مبغضه) هو الأبتر، والبتر: القطع ، فبيَّن – سبحانه – أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد.. ومما قال ابن تيمية عن هذه الآية الكريمة الجامعة: (إن الله – سبحانه – بتر شانئ رسوله من كل خير، فيبتر ذكره وأهله وماله، ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاد، ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهله لمعرفته ومحبته، والإيمان برسله، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً ولا عوناً، ويبتره من جميع القُرب والأعمال الصالحة، فلا يذوق لها طعماً، ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها) وقال أبو بكر بن عياش: أهل السنة يموتون ويحيى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله {ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. وأهل البدعة شَنَأُوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله: {إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}
- ولقد تحققت العقوبات ، ووقعت المثُلات في حق مَن أبغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو تنقصَّه بسب أو استهزاء، أو افتراء . وقد عرف من ذلك حالات عديدة منها:
– ما كان من شأن عدو الله أبي لهب بن عبد العزى الذي عادى رسول الله صلى الله عليه وسـلم وآذاه وسعى في الصد عن سبيله؛ ابتلاه الله بالعدسة فهلك فترك حتى أنتن ثم أسند إلى جدار وغيبوه بالحجاة رجما {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}
– من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه.
– ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية (عن أعداد من المسلمين العدول في الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس، فإذا تعرَّض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه، فعجلنا، وتيسر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، حتى إن كنا لَنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه).
– ما كان من دجال الفاتيكان (بانديتكتوس السادس عشر) الذي استطال بلسانه في رسول الله صلى الله عليه وسـلم ورماه بالبهتان وأذى المؤمنين والمؤمنات واستنكف عن الاعتذار، ثم لم تمض الأيام حتى أحاطت به الفضائح والمخازي فيه وفي كبار قساوسته ورهبانه فاضطر إلى الاستقالة مهيناً ذليلا مذوؤماً مدحورا