خطب الجمعة

خطبة الجمعة 19/9/2014 – أبوبكر الصديق 1

خطبة يوم الجمعة 24/11/1435 الموافق 19/9/2014

1ـ فلا زالت سير الصحابة رضي الله عنهم تمثل مصدر إلهام لكل مؤمن وزاداً من التقوى لكل مسلم؛ وذلك بما حوت من الأخبار التي تشرح الصدور وتهفو لها الأسماع، ولا زال المسلمون يطربون لتلك السير ويعشقون سماعها حيناً بعد حين، لما عمر قلوبهم من حب أولئك الأخيار، وما سكن نفوسهم من الشوق إلى تلك الأخبار، وقد استقر عندهم أن أولئك الصحب الكرام خير جيل بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسـلم وأن الله تعالى قد اجتباهم واصطفاهم وفضلهم على من بعدهم؛ فلو أنفق أحدنا مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، ولمقام أحدهم ساعة مع رسول الله صلى الله عليه وسـلم خير من عمل أحدنا أربعين سنة {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} وهم جميعاً هداة مهديون بارون راشدون، لكن بعضهم أفضل من بعض وأقدم سابقة وأعظم جهادا؛ قال الله تعالى {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير}

2ـ على رأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسـلم السيد الجليل والشيخ الوقور والبطل المقدام والأسد الهزبر، عظيم المنزلة رفيع القدر، الذي نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدقه يوم كذبه الناس، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير منه، إنه من وُزن إيمانه بإيمان الأمة فرجح إيمانه، لم يُؤْثر عنه أنه شرب خمراً قط، ولم يُؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يتعامل بربا قط، ولم يُؤْثر عنه كذب قط، إنه من لا يخفى، فهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ولعن الله من أبغضه وعاداه من الرافضة والباطنية وأهل الضلال، نقف بكم اليوم على شيء من خبره وفيض من سيره، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى سير أمثال هؤلاء، والحال في الغالب قد تسر العدو وتحزن الصديق، ولنعلم أنه يوم تدارى أمثال هذا الرجل ظهر الفساد، وتطاول الأقزام، ونطق الرويبضة، وضيعت الأمانة.

3ـ أما إسلامه رضي الله عنه فقد روى ابن بطة في الإبانة عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له منه عنده كبوة إلا ابن أبي قحافة فإنه لم يتلعثم”.  وفي رواية “ما عكم حين دعوته ولا تردد فيه” هذا كان بدء إسلامه رضي الله عنه صدقاً ووفاء ويقيناً.

  1. وأما جهاده دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم فيروي ابن كثير في سيرته: عن عائشة رضي الله عنها قالت: “لما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسـلم ألح أبو بكر على رسول الله في الظهور وعدم الاختفاء، فقال صلى الله عليه وسـلم: يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل أبو بكر يلح حتى وافقه صلى الله عليه وسـلم على ذلك، وظهر رسول الله والمسلمون، وتفرقوا في نواحي المسجد وقام أبو بكر خطيباً في الناس؛ فكان أول خطيب دعا إلى الله، وثار عليه المشركون وثاروا على المسلمين معه، وضربوا أبا بكر ضرباً شديداً؛ حتى أن عتبة بن ربيعة دنا منه فجعل يضرب وجهه بنعلين مخصوفتين، ثم ينزو على بطنه حتى ما يعرف وجهه من أنفه رضي الله عنه وجاء بنو تيم قوم أبي بكر وأجلوا عنه المشركين، وقالوا: لئن مات لنقتلن عتبة ثأرا لأبي بكر، وأبو بكر مغمى عليه لا يتكلم بكلمة، رجع إليه قومه ليكلموه، فما تكلم إلا آخر النهار، فماذا قال؟ لقد قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسـلم؟ هذا همه الذي يشغله حتى عن نفسه وراحت أمه تلح عليه أن يطعم شيئاً وهو يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فتقول: والله يا بني ما لي علم بصاحبك، فيقول لها: اذهبي إلى أم جميل فاطمة بنت الخطاب فسليها، فخرجت إليها: فقالت: إن ابني يسأل عن محمد، فقالت لها أم جميل: أتحبين أن أذهب معك إلى ابنك، تريد سرية الأمر، فقالت: نعم، فمضت إلى أبي بكر فوجدته صريعا، فقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، فيقول أبو بكر مرددا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فقالت: إنه سالم صالح، فقال: أين هو؟ فقالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله عليَّ أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فانتظروا حتى سكن الناس، ثم خرجت أمه وأم جميل يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قبَّله وأكبَّ عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسـلم رقة شديدة لما يرى منه، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي من بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، ثم قال: يا رسول الله هذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادع الله لها وادعها إلى الله، فدعاها ودعا لها رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” وهذا من أعظم البر… هذا موقفه، وهذه تضحيته في سبيل الله، الذي به علا شأنه، وارتفعت مكانته
  2. وأما دعوته إلى الله تعالى فقد كان أبو بكر سبباً في دخول الكثير في الإسلام منهم ستة من العشرة المبشرين: عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة رضي الله عنهم. وهو من أعتق عشرين من الصحابة من ربقة العبودية، الذين كانوا يعذَّبون بأشد أنواع العذاب وأقساه، وأنفق في ذلك أربعين ألف دينار، هي كل تجارته، ليحقق معنى الجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وقد قال له أبوه: يا بني إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك؟ فقال رضي الله عنه: يا أبت إنما أريد ما أريد لله عز وجل‼ وأنزل الله فيه: {وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى, ولسوف يرضى} قال ابن كثير رحمه الله تعالى: نزلت في الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً باذلاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسـلم فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل؛ ولهذا قال له عروة بن مسعود رضي الله عنه وهو سيد ثقيف يوم الحديبية: أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم؟

6ـ ثم إلى وقفة أخرى مع الصديق حينما أسُري وعرج بالنبي صلى الله عليه وسـلم في حادثة ومعجزة غريبة لم يعتدها مشركو قريش، بل لقد تأثر بعض ضعاف المسلمين وُفتن بأن كَذَّب بالإسراء والمعراج، وحصوله في ليلة واحدة، فيذهب بعضهم إلى أبي بكر يريدون زعزعة عقيدته وإيمانه، فيخبرونه الخبر فوقف أمامهم ثابتا، وهو يقول: (إن كان قال فقد صدق الآن..)، واستحق أبو بكر أن يلقب بالصديق.

7ـ أما حديثه في الهجرة فهو الحديث الذي لا ينقضي منه العجب، هل أحدثكم عن رغبته الملحة بمرافقة النبي صلى الله عليه وسـلم، وإعداده لهذه الرحلة وتربية أولاده لخدمة الدعوة في هذه الرحلة، أم أحدثكم عن فرحته العارمة حينما أذن الله لنبيه بالهجرة، وصحبته معه حتى أن فرحته هذه أبكته، كما تقول عائشة رضي الله عنها في حديث البخاري: “ما علمت الرجل يبكي من شدة الفرح إلا يومئذ حينما رأيت أبي يبكي من شدة الفرح”، ترى هل كان فرحه لمرافقة النبي صلى الله عليه وسـلم لنزهة صيفية؟، لا إنها رحلة إلى عمق الأخطار، حيث قريش تبذل مائة ناقة لمن يأتي برأس أحدهما، أم أخبركم عن محافظته على النبي صلى الله عليه وسـلم في هذه الرحلة حين كان يمشي أمامه تارة ثم يرجع خلفه ثم يذهب يميناً ثم شمالا، فيسائله رسول الله صلى الله عليه وسـلم  عن ذلك فيقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إذا تذكرت الرصد تقدمت، وإذا تذكرت الطلب تأخرت، فدعا له النبي صلى الله عليه وسـلم بخير وقبل دخول الغار، يدخل أبو بكر ليتفقد الغار من الحشرات الضارة ويسد خروق الغار، بيديه ورجله حفاظا على النبي صلى الله عليه وسـلم؛ إنها التضحية والفداء في سبيل نماء هذه الدعوة، وظهورها، فبذل أبو بكر والصحابة معه كل قدراتهم في سبيل ذلك فأين نحن من هذا؟! أين دورنا مع الدعوة إلى الله؟! أين دفاعنا عن الدعاة والعلماء والذب عن أعراضهم؟!

7ـ وقد بلغ من المكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسـلم ما تتقاصر دونه الجباه، حيث كان الأفضل المقدم من بين أصحابه، لا ينافسه أحد ولا يدانيه، أخرج البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسـلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى ركبته، فلما رآه صلى الله عليه وسـلم قال: أما صاحبكم فقد غامر، أي وقع في هول وخطر، فأقبل حتى سلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسـلم ثم قال: يا رسول الله: إنه كان بيني وبين عمر شيء فأسرعت إليه – أي أخطأت عليه – ثم إني ندمت على ما كان مني فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فتبعته البقيع كله حتى تحرز بداره مني، وأقبلت إليك يا رسول الله ؛ فيقول صلى الله عليه وسـلم: “يغفر الله لك يا أبا بكر يغفر الله لك يا أبا بكر”، ثم ندم عمر حين سأله أن يغفر له فلم يصفح عنه فخرج يبحث عنه، حتى أتى منزل أبي بكر، فسأل هل ثمَّ أبو بكر، فقالوا: لا نعلم، فعلم أنه عند رسول الله صلى الله عليه وسـلم فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسـلم، حتى إذا سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسـلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر أن يكون من رسول الله  صلى الله عليه وسـلم إلى عمر ما يكره فجثا أبو بكر على ركبتيه، وقال: يا رسول الله، كنتُ أظلم كنتُ أظلم، فيقول صلى الله عليه وسـلم – مبيناً مكانة أبي بكر – “إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟!” فما أوذي الصديق بعدها أبدا.

8ـ أما بذل الصديق وعطاؤه، فيصفه لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: كما روى الترمذي بسند حسن: “ندب النبي صلى الله عليه وسـلم للصدقة ذات يوم فوافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر، ولم أكن أسبقه في شيء طول الدهر، فجئت بنصف مالي فتصدقت به، فقال صلى الله عليه وسـلم: ما أبقيت لأهلك، قال عمر: أبقيت لهم مثله، ويأتي أبو بكر بكل ماله لم يبق قليلا ولا كثيرا، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسـلم: ما أبقيت لأهلك، قال: أبقيت لهم الله ورسوله!! فيقول عمر: فقلت في نفسي والله لا أسابقك إلى شيء بعد اليوم أبدا”. وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: “أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي”، فقال أبو بكر وددت يا رسول الله أني معك حتى أنظر إليه، فقال له عليه الصلاة والسلام: “أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي”

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها       بعد النبي وأوفاها بما حملا

الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس حقاً صدق الرسلا

الخطبة الثانية

أمريكا الصليبية تحشد الحشود بدعوى مكافحة الإرهاب والقضاء على الدولة الإسلامية – كما يسمونها – وما هي من الإسلام في شيء، بل هي سُبَّة في جبين الإسلام وأهله بممارساتها الخاطئة ولغزها الغامض. هم يقولون: نريد القضاء على الإرهاب‼ وهم الإرهابيون الأصليون لكن منطقهم كمنطق فرعون {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} وحالهم كحال المنافقين {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} وقد علم كل عاقل أن الولايات المتحدة الأمريكية ما كانت يوماً من الأيام صديقة للمسلمين بل هي عدو لدود، وما أسفر تدخلها في بلد من بلاد المسلمين إلا عن الكوارث والمصائب والآلام، وما خبر العراق عنا ببعيد. ومن عجب أن العرب المتخاصمين المتشاكسين قد سارعوا جميعاً إلى المشاركة في ذلك الحلف الذي دعوا إليه أو أمروا به، بعضهم يشارك بماله وبعضهم بجيوشه ورجاله، والذي يراه كل ذي بصيرة أن هذا الحلف صليبي رافضي الخاسر فيه هم المسلمون أهل السنة، لأن السياسة الأمريكية تحكمها استراتيجيات ثلاثة:

1 – حماية دولة اليهود في فلسطين، وتتحكم هذه الإستراتيجية في تحديد السياسات الأمريكية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي علاقة أمريكا بدول الطوق (مصر وسوريا والأردن ولبنان). ولذا تحرص أمريكا ومن معها على حماية النظام النصيري العلوي الكافر في سوريا وتحول دون سقوطه وتمنع عن المجاهدين السلاح المؤثر الذي يمكن أن يحسم المعركة، لماذا؟ لأن ذلك النظام هو الحارس الضامن لأمن اليهود منذ خمسين سنة.

 – 2 تأمين مصادر الطاقة، وتتحكم هذه الإستراتيجية في تحديد السياسات الأمريكية المتعلقة بالنفط وفي علاقات أمريكا بدول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران.

 3 – التحالف مع إيران، وتتحكم هذه الإستراتيجية في تحديد السياسات الأمريكية المتعلقة بالنزاعات الإيرانية العربية، وهي إستراتيجية طويلة المدى لم تتغير منذ أيام الشاه البائد حتى اليوم.

وثمة أسئلة تطرح نفسها في هذا الباب؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره:

  1. أين المكافحة المزعومة للإرهاب مما يفعله الحوثيون الرافضة في اليمن الحبيب من إرهاب للناس واحتلال للمدن والأحياء وانتقاص للبلاد من أطرافها حتى صاروا يدقون أبواب صنعاء؟
  2. أين تلك المكافحة للإرهاب مما يفعله حزب الله الرافضي من التدخل الفج في الشأن السوري والإعلان عن ذلك في إجراءات احتفالية معلنة؟
  3. أين تلك المكافحة مما تفعله الميليشيات الشيعية الرافضية في العراق – كجيش المهدي وعصائب الحق – من تقتيل وتهجير لأهل السنة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى