خطب الجمعة

خطبة الجمعة 3/5/2019 – بين يدي رمضان

خطبة يوم الجمعة 27/8/1440 الموافق 3/5/2019

1- فببين أيدينا شهر كريم مبارك ، افترض الله علينا صيامه، وسنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسـلم قيامه؛ فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وهو شهر الصبر والصبر جزاؤه الجنة، وهو شهر يزاد فيه في رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان له مثل أجره وكان عتقاً لرقبته من النار، شهر رمضان قد مليء خيراً وبراً وفضلاً وكرما؛ ففيه تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات وإقالة العثرات، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وفيه التسابيح والتراويح

جاء الصيام فجاء الخير أجمعه ترتيــــــــــــــل ذكرٍ وتحميدٌ وتسـبيحُ

فالنفس تدأب في قول وفي عمل صوم النهار وبالليل التراويحُ

2- إن الموفَّق من عباد الله من اغتنم الأيام والليالي في طاعة الله صياماً وقياما، وتضرعاً ودعاء، وخشية وإنابة، وذكراً وتلاوة، وحرص على وقته أن يضيع في غير فائدة تعود عليه في دنياه وآخرته

أَدِم الصيام مع القيام تعبُّداً  فكــــــــــــــــلاهما عملان مقبولانِ

يا حبذا عينان في غسق الدجى من خشية الرحمن باكيتانِ

3- إن رمضان يحل علينا ضيفاً مضيافاً، يكرمنا إذا أكرمناه، فتحل بحلوله البركات والخيرات، يُقدم علينا، فيقدّم هو إلينا أصنافاً من الإتحافات والنفحات، ضيف لكنه مضيف، وربما يكون الواحد منا في ضيافته للمرة الأخيرة! أو ربما ينزل هو في ضيافة غيرنا بعد أعمار قصيرة .. فهلاّ أكرمنا ضيفنا! وهلاّ تعرضنا لنفحات مضيفنا! تصور أخي أنك تستقبل ضيفاً عزيزاً، وهو يستضيفك، وتعلم أنك بعد أيام قلائل ستودعه فلا تراه أبداً! كيف ستستقبله؟ وكيف ستحسن صحبته، وتكرم مثواه؟ تعال معنا أيها القارئ الحبيب نستحضر أحاسيس الوداع، لعلنا ندع بها دَعة تتلف أيامنا، وعدة من الأماني تضعف إيماننا.

 تعال نخص هذا الشهر الكريم بمزيد اعتناء وكأننا نصومه صيام مودع! تعال نقف مع أنفسنا هذه الوقفات لإخراج صيامنا من إلْف العادة إلى روح العبادة:

أولاً: أن يجعل من نفسه محلاً قابلاً لتنزُّل الرحمات والمغفرة والعتق من النار:

وأول ما يطهِّر به كل منا نفسه – استعداداً لهذا الشهر الكريم – التغافر، وإزالة الشحناء، وصلة الأرحام؛ فإن الخصام يؤخر الغفران، ولهذا جاء في الحديث: (تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا) وفي رواية: (أركوا هذين حتى يصطلحا) وجاء في الحديث الآخر: (إن الله لَيطَّلعُ في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)

فظهر من هذا بجلاء أن من أسباب المغفرة من الله جل وعلا في مواسم المِنَح والنفحات أن يخلِّص العبد نفسه من الخصومات والمشاحنات، كما يجب أن يتخلص خاصة من قطيعة الرحم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم، فظهر من هذا بجلاء أن قطع الأرحام من موانع نيل فضل الله؛ فكيف يطمع قاطع الرحم أن يكون من عتقاء الله من النار في هذا الشهر؟ ومن ثَمَّ وجب على كلٍّ منا أن يزيل كل سبب كان من جهته؛ أدى إلى قطع رحِمه.

فليكن رمضان شهر بِرٍّ وصِلَة وتسامُح؛ فينبغي لك بين يدي هذا الشهر أن تزور أقاربك وأصهارك وأرحامك، وتصِلَهم وتتودد إليهم، وأعظم الصِّلات وأرفع القربات بِرُّ الوالدين والحنو عليهما وإكرامهما وإرضاؤهما.

وليتنازل الإنسان، وليعفو وليصفح: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}        وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأُحسن إليهم ويسيئون إليَّ، فقال صلى الله عليه وسلم (إن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم المل – أي كأنما تؤكلهم الرماد الحار – ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)

وما أجمل قول أحد الحكماء وهو يذكر طريقة تعامله مع أقاربه وموقفه مع عشيرته بأبيات من الشعر! يقول فيها:

وإن الذي بيني وبينَ بَنِي أبي      وبين بَنِي عمِّي لمختلفٌ جِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا 

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مـــــــــــــــــــجدا

وإن قدحوا لي نار حرب بزندهم قدحت لهم في كل مكرمة زنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا

وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هووا غيي هويت لهم رشــــــــــــــــــــــــــدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قلَّ مالي لم أكلفهم رفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا

وإني لعبد الضيف ما دام نازلا وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا

فينبغي أن يكون شهر رمضان شهر تآخٍ ووحدة وائتلاف لا سيما والمسلمون جميعاً في هذا الشهر يقومون بعبادة واحدة في وقت واحد، وفي لحظة واحدة؛ صياماً وقياماً، بالليل والنهار، ففي النهار هم جميعاً صائمون، وينتظرون لحظة الإفطار بالصمت الجميل الذي يعم البلاد، وفي الليل يقومون خلف إمام واحد يقف كلٌّ منهم إلى جانب أخيه؛ فليكن هذا التوحد بين القلوب كما هو في المظهر والصورة.

ثانياً: أن نحسِّن أخلاقنا ونتفادى أسباب الشحناء؛ فإن الوقاية خير من العلاج:

 ومن أخطر أسباب التباغض والتشاحن هذا اللسان الذي يكب الناس على وجوههم في النار؛ فكُلُّه آفات ومزالق… وطوبى لمن قيَّد لسانه إلا عن نُطْقٍ بذكر أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو خير وحق… فإياك أن تخطئ في حق إخوانك المسلمين؛ بغِيبَة أو سخرية أو نميمة أو همز أو لمز، وإياك أيضاً أن تخطئ في حقهم بظن سيء أو تجسس أو تتبع لعوراتهم… وكلنا يعلم الآيتين اللتين نهى الله تعالى فيهما عن هذه الأمور القبيحة، فيقول جل وعلا في سورة الحجرات مؤدِّباً المجتمع الإسلامي حتى يكون مجتمعاً طاهراً نظيفاً متحاباً؛ سياجه وحرسه التقوى…

 فيذكرهم أولاً بطبيعة العلاقة بينهم، فيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وبعد تذكيرهم بهذه الأخوة الإيمانية يؤدبهم بعد ذلك بما ذكرنا، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} ففي هذه الآيات يحذرنا الله عز وجل من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب والظن السيئ والتجسس والغيبة، فأما السخرية، فهي ما يبدر من المرء نحو أخيه من الاستهزاء، أو الاستقلال، أو ازدراء واحتقار له – ولو بالشعور – أو اعتقاد بأنه أعظم منه ناسياً ميزان الله عز وجل وقد يدعو إلى سخرية الرجل من أخيه كون أحدهما غنياً والآخر فقيراً، أو كون أحدهما متعلماً والآخر جاهلاً، أو كون أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً، أو كون أحدهما ذكياً والآخر ساذجاً، أو كون أحدهما حسن الصورة والآخر دميماً…

وكلها مقاييس لا اعتبار لها في ميزان الله وإنما الاعتبار بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} والساخر لا يكون تقياً بل الساخر دائماً متكبر؛ إذ السخرية دلالة على الكبر، كما في الحديث: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) أي احتقارهم وازدراؤهم، وهذا ملازم للسخرية، والله عز وجل ينبه هذا الساخر الغافل عن الميزان الحق علَّه يستفيق من غفلته وغروره، وذلك بقوله عز وجل: {عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ} فالتلويح بكلمة {عَسَى} فيه تنبيه وتخويف للساخرين المغرورين بذكر الميزان الحق؛ فهناك قيم يعلمها الله وقد تكون خافية عليهم؛ فعليهم أن يتذكروا ذلك ويحذروا منه {عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ}

وللسخرية أوجُهٌ وصوَر كثيرة قد تخفى على الكثيرين وتنتشر حتى بين الخيِّرِين، منها: أن تضحك إذا تكلم أخوك إشعاراً له أو لمن حوله بأن كلامه قاصر، أو أن تعتقد أن أخاك لا يمكن أن يخطِّئك أو يستدرك عليك شيئاً في يوم من الأيام، أو لا يستطيع أن يقول كلمة أو رأياً أصوب مما تقول، ومنها عدم الإنصات لمن يحدثك.

 فعلى المسلم اجتناب جميع صور السخرية (كبيرها وصغيرها) مع الغريب أو الصديق؛ فالبعض يتساهل في السخرية وإطلاق اللسان مع صديقه الذي وثِق به بحجة أنهما قد اعتاد كل منهما على الآخر… فإن المسلم يجب أن يعتاد على حفظ لسانه مع الجميع، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم والأنبياء لا يسبون كلباً ولا بهيمة… وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سماع نهاق الحمير أو نباح الكلب أن نستعيذ بالله، وإذا عثرت الدابة أن نقول: باسم الله.. على خلاف ما يفعله البعض من السب للحيوان والجماد… وغير ذلك.

أما اللمز، فهو: أن تعيب أخاك بالقول وهو حاضر. وأما التنابز بالألقاب، فهو: أن تنادي أخاك بلقب يكرهه. وأما الظن المنهي عنه، فهو: التهمة والتخوف في غير محله، فهذا الظن يجب ترك الكثير منه مخافة القليل {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ولم يقلِ الله: اجتنبوا الظن… وإنما قال: {كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} لأن بعض الظن مطلوب؛ وهو الظن بأهل الفساد ومن عُرِفوا بالشر، وأعداء الدين؛ فهؤلاء من الغفلة والحماقة إحسان الظن بهم، بل قد نُهينا عن إحسان الظن بأمثال هؤلاء، كما في قوله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أما المسلمون الذين لم يُعرَفوا بالشر، فحرام أن نظن بهم سوءاً، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) وقال عمر رضي الله عنه: (ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً)

أما التجسس، فهو: أن تطلب معرفة الأخبار التي لم يظهرها صاحبها.

 وتأمل تماماً هذا الكلام لتدرك مدى تفريطنا في أوجُه الشرع، والبحث عن العورات، واستماع حديث القوم وهم له كارهون.. والله عز وجل ينهانا عن التجسس، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك يحذرنا منه ويقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)

وفي هذا رد على من ظن أنه إذا تتبع عورة أحد وعرف عنه شيئاً؛ فأحرجه أن ذلك يصلحه، والعكس أصوب لِمَا في ذلك من إثارة العند وإسقاط حاجز الحياء؛ فلا يعود يراجع نفسه بعد الانكشاف.

 واعلم أن هناك فرقاً بين ستر المؤمن أو عدم التجسس وبين السكوت على المنكر؛ فالنهي إنما هو عن محاولة معرفة ما يتستر به، لكن إذا ظهر ما يتستر به وعرفه أخوه المسلم دون قصد التفتيش عنه، وجب عليه النصيحة والموعظة والإنكار دون أن يُشيع أمره ويتحدث عنه بغير ضرورة أو مصلحة راجحة.

 فاحذروا من ألسنتكم؛ حماية لكم من الذنوب وحفظاً لصومكم من الضياع…

ثالثاً: الجود والصدقة: والمراد به السخاء في الإنفاق في سبيل الله… الإنفاق من أجل الدعوة، والتصدق على الفقراء والمساكين وأهل الحاجات، وإكرام الأصحاب والأضياف، وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان، كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فلَرَسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.

اللهُ أعطاكَ فابذُل مِن عطيَّتِهِ      فالمالُ عاريةٌ والعمرُ رحَّالُ 

المالُ كالماءِ إن تُحبَس سواقيه      ِيأسن، وإن يَجرِ، يَعذُبْ منهُ سلسالُ 

والبعض قد يُرى سخياً على أصحابه في المآكل والمشارب، لكنه لا يتبرع من أجل الدعوة، ولا تطيب نفسه بالإنفاق على الفقراء والمساكين خاصة الذين لا يعرفهم، ومن الناس من ينفق على أصحابه ويتبرع من أجل الدعوة، ولكنه لا يتصدق على المحتاجين! ومقتضى الجود أن يكون السخاء سمة للعبد؛ فلا يكون حريصاً على المال، بل يقول به هكذا وهكذا؛ ففي صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (إن المكثرين هم المقلُّون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وقليل ما هم)

رابعاً: الاستكثار من العبادة: من تلاوة للقرآن، وقيام لليل، وذكر ودعاء… فإن ذلك من آكد الشعائر المستحبة وأظهرها في رمضان وأقربها؛ لتحقيق مغفرة ما تقدم من الذنوب والآثام، وفي الصحيحين والسنن: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) ولم يترك صلى الله عليه وسلم هذا القيام حتى يوم بدر، كما قال علي رضي الله عنه فيما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده: (لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح)

خامساً: الإقلاع عن الذنوب: وأن يتوب منها ويرعوي عن المعاصي، وأعظم من ذلك أن ينخلع قلبه بالكلية عن التعلق بشيء سوى الله جل وعلا ففكره وقلبه وروحه كل ذلك مع الله تعالى فلا يتعلق قلبه بفضول المباحات فضلاً عن المعاصي والآثام.

أهلُ الخصوصِ من الصوَّام صومُهمُ      صونُ اللسانِ عن البهتانِ والكذب 

والعارفون وأهلُ الأنسِ صــــــــــــــــــــــــــــــــــــومُهمُ      صونُ القلوبِ عن الأغيارِ والحجُبِ 

فالصوم إنما شُرع لتحصيل التقوى؛ فمن لم يدع قول الزول والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، فلنجعل رمضان شهر توبة وإجابة، وشهر خشية لله وتقوى.

يا ذا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبِ      حتى عصى ربَّهُ في شــــــــــــــــــــهرِ شعبان 

لقد أظلك شهرُ الصومِ بعدَهُما      فلا تصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيِّره أيضاً شهرَ عصيان 

واتل القرآن وسبِّح فيه مجتهداً      فإنهُ شـــــــــــــــــــــــــــــــــــهرُ تســــــــــــــــــــبيحٍ وقـــــــــــــــــــــــــــــرآنِ 

كم كنتَ تعرفُ ممن صام في سلفٍ      من بين أهـلٍ وجيرانٍ وإخـــــــــــــــــــــــــــوان 

أفناهُمُ الموتُ واستبقاك بعدهُمُ      حياً فما أقربَ القــــاصي من الداني 

 

الخطبة الثانية

1/ الإيمان بأقدار الله تعالى وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وواجب علينا أن نتعامل مع القدر بالشرع

2/ في تاريخ الأمم مد وجزر، وما ينبغي أن يقال: إن الأمة قد ماتت، أو إن الدين قد ذهب، وفي التاريخ شواهد ما كان في يوم أحد وفي يوم الأحزاب وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

3/ وجود الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله

4/ إن في الأمة خيراً كثيراً يتمثل في كثرة رواد المساجد وطالبي معرفة الحلال والحرام، والباحثين عن الحقائق الشرعية والآداب الدينية، ولا يزالون – والحمد لله – في زيادة، وسيبقى هذا الدين ما بقي الليل والنهار

5/ حفظ الأمن ورعاية مصالح الناس واجب شرعي منوط بأعناق من ولاهم الله الأمر، ونحن حريصون على قوة المجلس العسكري أو المجلس السيادي الذي يستقيم به أمر الناس

6/ لم يثر الناس على وضع مستبد من أجل أن يستبدلوا استبداداً باستبداد، ولا فاشية بفاشية، ولا من أجل أن يفروا من استبداد فرد ليرضوا باستبداد مجموعة

7/ لا يجوز التلويح بالقوة والتهديد بالاعتصام، وإلا فما نحن بعاجزين عن الحشد والاعتصام، فهذه بلطجة لا تليق

لوثيقة، كما تقدم نفسها بوضوح تبرهن على ما يلي:

 

أولاً: السودان دولة مدنية (علمانية) (الباب الأول: الأحكام العامة في الوثيقة)

 

ثانياً: الإبقاء على بعض بنود دستور 2005 واستثناء بعضها ومنها هذا البند الذي أزيل بالكلية: “تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان”.

 

ثالثاً: حذف ما يتعلق بالانتخابات من دستور 2005 وعدم إحلال أي بند يدل على إجراء انتخابات لا خلال الفترة الانتقالية الطويلة جداً (أربع سنوات)، ولا حتى بعدها. (بمراجعة الوثيقة كاملة)

 

رابعاً: تشكيل مجلس تشريعي معين (غير منتخب) مقصور على قوى “الحرية والتغيير”، يحق له إصدار دستور دون أن يكون واضعو الدستور منتخبين، ودون عرض الدستور على الشعب في استفتاء عام، فلا هذا ولا ذاك! (المادة 11 المجلس التشريعي الانتقالي بند 1)

 

خامساً: تقاسم السلطة عبر مجلس سيادي يبت في أهم قرارات الدولة السودانية مفصلية، ومنها الحرب وفرض الطوارئ والتصديق على أحكام الإعدام ونحو ذلك دون أن يكون أي من أعضائه منتخباً، وهذا التقاسم هو بين المجلس العسكري وقوى “الحرية” والتغيير، والخلاف بينهما فقط حول الكعكة ونسبة كل من القوتين غير المنتخبتين فيها! (البند 10 مجلس الوزراء الانتقالي)، (الفصل الثاني مادة 9)

 

سادساً: إلغاء استقلال القضاء تماماً، عبر إخضاع القضاء لسلطة المجلس السيادي بعد استشارة المجلس التشريعي الانتقالي، وكلاهما انقلابي غير منتخب في حقيقة الأمر، وحتى إذا كان منتخباً فإن تعيين مجلس القضاء الأعلى من خارج سلطة القضاء هو افتئات صارخ على سلطة القضاء السوداني. (بند 6 من المادة 12 السلطة القضائية).

 

سابعاً: مناقضة الوثيقة لذاتها فيما يتعلق بالقضاء حيث تتحدث عن الفصل بين السلطات (الباب الثالث الفصل الأول هياكل الحكم المادة 7) ثم تنقض ذلك بتعيين السلطة التنفيذية لمجلس القضاء الأعلى (بند 6 من المادة 12 السلطة القضائية).

 

ثامناً: تعيين ولاة الأقاليم عن طريق المجلس السيادي غير المنتخب (الفصل الثاني مادة 9 مؤسسات وسلطات الحكم العامة)، وهي أيضاً طريقة تعيين انتقائية دون الالتفات للإرادة الشعبية السودانية حتى في تعيين حكام أقاليم. 

 

ولو كانت المسألة تتعلق حقيقة بـ “حرية وتغيير” لتوقعنا أن يكون أبرز ما في الوثيقة مطالب من شاكلة:

 

أولاً: إعادة العمل بالدستور بصورة مؤقتة، ليتسنى استكمال مؤسسات الدولة بطريقة ديمقراطية.

 

ثانياً: قيام وكلاء الوزراء بتسيير أعمال الحكومة لحين تشكيل حكومة منتخبة بعد فترة وجيزة.

ثالثاً: السماح بحرية إنشاء الأحزاب.

 

رابعاً: إجراء انتخابات برلمانية بعد ثلاثة أشهر فقط، يشرف عليها القضاء السوداني، وتراقبها المنظمات المعنية محلياً وأممياً.

 

خامساً: تشكيل لجنة لوضع الدستور عبر انتخاب مباشر من البرلمان المنتخب.

 

سادساً: تكليف الحزب الفائز بالانتخابات بتشكيل حكومة تشرف على انتخابات رئاسية بعد ستة أشهر من انتخاب البرلمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى