خطب الجمعة

خطبة الجمعة 18/3/2005 – أحكام التعزية

خطبة يوم الجمعة 8/2/1426 الموافق 18/3/2005

1ـ تشرع تعزية أهل الميت؛ لأحاديث ثبتت في ذلك منها

  • حديث قرة المزني رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير، يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تحبه؟ فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه!، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة؛ لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالي لا أرى فلاناً؟ فقالوا: يا رسول الله: بنيُّه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بنيه؟ فأخبره بأنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان: أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي، لهو أحب إليَّ، قال: فذاك لك. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله جعلني الله فداك، أله خاصة أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم.
  • عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله جل جلاله من حلل الكرامة يوم القيامة. رواه ابن ماجه

2ـ وتكون التعزية بما يظن أنه يسليهم ويكف من حزنهم ويحملهم على الرضا والصبر مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كقوله:

  • {إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبر واحتسب} قال النووي في الأذكار: وهذا الحديث من أحسن ما يعزى به.
  • وقال صلى الله عليه وسلم للمرأة الأنصارية يعزيها بولدها: {أما إنه بلغني أنك جزعت على ابنك، فأمرها بتقوى الله والصبر} فقالت: يا رسول الله مالي لا أجزع وإني امرأة رقوب لا ألد، ولم يكن لي غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما من امرئ مسلم أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد يحتسبهم، إلا أدخله الله بهم الجنة}. فقال عمر: بأبي أنت وأمي واثنين؟ قال: {واثنين}
  • وقوله حين دخل على أم سلمة رضي الله عنها: {اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه}
  • وقوله حين عزى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما في أبيه: {اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه} قالها ثلاث مرات

3ـ قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يعزى جميع أقارب الميت أهله الكبار والصغار الرجال والنساء، إلا أن تكون المرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها، قالوا: وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان آكد. المجموع 5/277

4ـ وفي التعزية عدة فوائد: إحداها: تهوين المصيبة على المعزَّى وتسليته عنها وحضه على التزام الصبر واحتسابه الأجر والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله تعالى، الثاني: الدعاء بأن يعوضه الله عن مصابه جزيل الثواب، الثالث: الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له.

5ـ وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده، لكن بعد الدفن أحسن وأفضل؛ لأن أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر؛ فكان ذلك الوقت أولى بالتعزية. قال النووي: قال أصحابنا: إلا أن يظهر فيهم جزع ونحوه فيعجل التعزية ليذهب جزعهم أو يخف.

6ـ ينبغي للناس أن يجتنبوا إقامة المآتم وعمل الولائم؛ لما في ذلك من عدم إظهار الرضا بالقضاء، ولما فيه من مخالفة السنة، والواجب أن يصنع لأهل الميت طعام؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي t قال {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام من النياحة} قال النووي في المجموع5/279: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها.

وقال الشافعي رحمه الله في الأم 1/248: وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر. ونص الكمال بن الهمام في شرح الهداية 1/473 على كراهة اتخاذ الضيافة من أهل الميت وقال: وهي بدعة قبيحة. وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير 1/420: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة.أ.هـ وقال الخرشي في حاشيته على خليل 2/130: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فهو بدعة مكروهة لم ينقل فيه شيء وليس ذلك موضع ولائم.أ.هـ وقال الشيخ عليش في منح الجليل1/500: في شرحه لقول خليل (وتهيئة طعام لأهله) أي الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم الإهداء لهم؛ لأنه يعينهم على الحرام، وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة، إن لم يكن في الورثة صغير، وإلا فهو حرام، ومن الضلال الفظيع والمنكر الشنيع والشماتة البينة والحماقة غير الهينة تعليق الثريات، وإدامة القهوات في بيوت الأموات، والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات. ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام، ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته، وهول السؤال، ولا فيما انتهي إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقمع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت، وأنهم مخلدون بعده لقلنا: إنما يفعلونه فرحاً بذلك ولكن الهوى أعماهم وأصمهم، وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة، والمباهاة ومحمدة الناس والزيادة، فهل في ذلك خير؟ كلا بل هو شر وخسران وضير.أ.هـ  وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني 2/215: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس، فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلاً إلى شغلهم، وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية. وروي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النوح. قال ابن قدامة: وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه.أ.هـ

 7ـ والسنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاماً يشبعهم؛ لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم} رواه أحمد وأبو داود والحاكم

قال الشافعي رحمه الله في الأم 1/247: وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم، فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى