خطبة الجمعة 20/3/2015 – أحكام الجهاد
خطبة يوم الجمعة 1/6/1435 الموافق 20/3/2015
1- بعث الله محمداً صلى الله عليه وسـلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأمره بأن يدعو الناس كافة إلى دين الله؛ {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ونهاه جل جـلاله عن إكراه أحد على الدخول في دينه {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} فمكث صلى الله عليه وسـلم في مكة ثلاثة عشر عاماً ما سلَّ سيفاً ولا حمل سلاحاً ولا رد الأذى بمثله
2- تشريع الجهاد في الإسلام إنما كان في المدينة المنورة رداً لأذى المشركين {إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا} وقد كان لحكم سامية منها: تأمين الدعوة إلى الإسلام، والانتصاف للمستضعفين، ونشر السلام في الأرض وحماية كل ذي دين، ولأن الإسلام هو الدين الحقيق بأن يسود الأرض كلها
3- وقد جاءت الآيات الكريمات في كتاب الله العزيز حاثة على هذا الباب العظيم من أبواب الخير فأمرت بإعداد القوة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} ووضعت تشريعات محكمة الالتزام بها يضمن عدم الزيغ بهذا الأمر عن غايته
4- وفي السنة النبوية القولية والعملية نجد هذه الأحاديث الصحاح التي تنهى عن تمني لقاء العدو “لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف” وتنهى عن قتل النساء “ما كانت هذه لتقاتل” وتنهى عن الغلول والتمثيل بالقتلى “اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر الله، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا” ويخبر صلى الله عليه وسـلم أن الجهاد قدر هذه الأمة متى ما أرادت العز والسؤدد “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم” وتوجه إلى الغاية التي من أجلها شرع الجهاد “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”
4- هذا والجهاد أيها المسلمون أعم من القتال فإن القتال ليس إلا نوعاً من أنواع الجهاد، والجهاد المطلوب منه جهاد النفس وذلك على أربع مراتب ذكرها ربنا جل فقي سورة العصر، وجهاد الشيطان على مرتبتين، وجهاد المنافقين وجهاد الكفار على مراتب أربعة بالقلب واللسان والمال واليد، وكلها أنواع دلت عليها نصوص الشريعة
5- هذا وقد قسم أهل العلم بناء على استقراء النصوص الجهاد إلى نوعين: فرض متعين لا يسع مسلماً قادراً تركه، وهو الذي قال الله فيه {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} ولا يكون الجهاد متعيناً إلا في حالات محصورة؛ وذلك فيما لو دهم العدو أرضاً للمسلمين فإن الجهاد يتعين على أهل تلك الأرض، وحين التقاء الصفين، وحين يستنفر الإمام فرداً أو طائفة مخصوصة للجهاد
6- قد كان ما سمعناه من سفر بعض الشباب إلى تركيا من أجل اللحاق بالحرب التي تدور رحاها في العراق والشام بين تلك الدولة المسخ التي نسبت نفسها إلى الإسلام ونصبت من بين أفرادها من دعوه خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين، أسأل الله أن يردهم سالمين غانمين، فيا أخي الشاب: إياك وأمراً مظلماً لا نور فيه؛ وقد أنكره أكثر أهل العلم، يقول الشيخ السقاف: لا نجِد من العلماء الرَّبانيِّين الراسخين في العلم، المعروفين بصَلاحهم وتقواهم وبُعْدهم عن مواطن الشُّبهات – لا نجِد منهم مَن أيَّد هذه الخلافة، بل إنَّ أشهر المنظِّرين للحركات الجهاديَّة المعاصرة ومرجعياتهم العلميَّة أعْلَنوا اعتراضَهم عليها، في حين نرَى حُدثاءَ الأسنان والمجاهيل – إلَّا القليل منهم – مَن أيَّد هذه الخلافة؛ فلو استعرضتَ العالم الإسلاميَّ من شَرْقه إلى غَرْبه، ومِن شَماله إلى جَنوبه، لرأيتَ أنَّ كافَّة علمائِه وطلَّاب العلم ودُعاته، بما يُشبه الإجماعَ منهم، يُنكرون هذه الخلافةَ، ولا يرتضونها، ولا يرَون أنَّ شروط الخلافة تحقَّقت فيها؛ أفلا يكفي هذا دليلًا على بُطلانها؟!