خطبة الجمعة 20/5/2005 – أحداث سوبا
خطبة يوم الجمعة 11/4/1426 الموافق 20/5/2005
1ـ فقد قص الله علينا في القرآن نبأ ابني آدم حين عمد أحدهما إلى قتل أخيه ظلماً وعدواناً؛ فجعله الله عبرة في الآخرين، وختم ربنا هذه القصة بقانون عام فقال )من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا( قال ابن عباس: من قتل نبياً أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياه بأن شَدَّ عضده ونَصَرَه فكأنما أحيا الناس جميعاً. قال الشيخ الشنقيطي: ولا يخفى بُعدُه عن ظاهر القرآن. وعن ابن عباس: )فكأنما قتل الناس جميعا( أي عند المقتول إذ لا غرض له في حياة أحد بعد موته هو، ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعاً عند المستنقذ. وقال مجاهد: المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمداً جعل الله جزاءه جهنم، وغضب عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً، ولو قتل الناس جميعاً لم يزد على ذلك، ومن لم يقتل فقد حيي الناس منه، واختار هذا القول ابن جرير. وقال ابن زيد: المعنى أن من قتل نفساً يلزمه من القصاص ما يلزم من قتل الناس جميعاً، قال: ومن أحياها أي عفا عمن وجب له قتله. أن كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة، فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس فلا فرق إذاً بين الواحد والجميع في ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما من مقتول يقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمه}
2ـ إن من ضرورات الدين التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل حفظ النفوس من الإتلاف والهلاك؛ فكان حفظ النفس من الضرورات الخمس التي لا قوام للعالم إلا بها؛ لئلا تسفك الدماء وتزهق الأرواح وتتلف النفوس في غير حق. وقد جاءت النصوص الشرعية المحرمة للاعتداء على الأنفس في قوله تعالى )ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل( وقوله سبحانه )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما( وقوله I )ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما( وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال {لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة} وقال عليه الصلاة والسلام {لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً}
3ـ ومن أجل حفظ النفوس أوجبت شريعة الإسلام القصاص في النفس فقال تعالى )كتب عليكم القصاص في القتلى( وقال النبي صلى الله عليه وسلم {من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن شاء قتل وإن شاء ودى} وطبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم حين رضَّ يهودي رأس جارية بين حجرين، وأوجبت الشريعة حد الحرابة على من أخاف السبيل وقطع الطريق فقال تعالى )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض( وثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن ناساً من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فاستوخموا المدينة، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود من الإبل وراع، وأمرهم أن يخرجوا إلى الصحراء، فيشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة، كفروا بعد إسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الذود من الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في طلبهم، فأتوا فأمر بهم، فسملوا أعينهم، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركوا حتى ماتوا، فنزلت الآية.
4ـ إن الذي حدث في سوبا قبل يومين اثنين من الاعتداء على رجال الشرطة بقتل بضعة عشر رجلاً منهم بين جندي وضابط لهو أمر تتفتت له الأكباد وينذر بشر عظيم؛ حين يعمد جماعة من الناس إلى مثل هذا التصرف الذي ينبئ عن فوضى لا نظير لها وتسور على القانون واستهتار بالأمن؛ مما يشي بضعف مسئوليتهم وعدم تبصرهم بعواقب الأمور مع ما تبع ذلك من نهب للمحال التجارية وإخافة للآمنين من الناس، ممن لا ذنب لهم فيما كان.
5ـ إن الواجب على الدولة أن تأخذ على يد المفسدين في الأرض دون اعتبار لما يثار هنا وهناك من أناس يريدونها فوضى، وقد بادرت الأمم المتحدة التي هي ضد المسلمين في كل قضية إلى تحميل الحكومة المسئولية كما هي عادتها في كل حالة قبل أن تعرف حقيقة الأوضاع، وإن التهاون مع هؤلاء المفسدين قد يغري غيرهم بسلوك السبيل نفسه لتكون شريعة الغاب هي السائدة وتكون الغلبة لمن كان في الإجرام أعرق وعلى أكل الحقوق أقدر.
6ـ أما ما كان من إنكار مجلة النيوزويك الأمريكية التي نشرت خبر إهانة المصحف للخبر وادعائها أنها غير متأكدة من صحته فهو دأب الكفار والمنافقين من قديم، وما خبر فنحاص بن عازوراء وعبد الله بن سلول منا ببعيد؛ إنهم حين رأوا غضبة المسلمين خاصة في بلاد ظنوها قد لفظت الإسلام من وقت بعيد حسبوا أن القلوب قد ماتت وما لجرح بميت إيلام، ففوجئوا باسترخاص المسلمين أرواحهم وخروجهم في إنكار هذا المنكر فطفقوا ينكرون.