خطبة الجمعة 21/10/211 – سقوط القذافي وهلاكه
خطبة يوم الجمعة 23/11/1432 الموافق 21/10/2011
1- من أسماء اللّه الحسنى «الحليم» قال الغزاليّ- رحمه اللّه تعالى-: الحليم: هو الّذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر ثمّ لا يستفزّه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش؛ كما قال تعالى ((وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ)) وقال ابن منظور في معناه: والحليم في صفة اللّه عزّ وجلّ- معناه: الصّبور: وقيل: هو الّذي لا يستخفّه عصيان العصاة ولا يستفزّه الغضب عليهم، ولكنّه جعل لكلّ شيء مقداراً فهو منتهٍ إليه. وقيل: حلم اللّه هو تأخيره العقوبة عن المستحقّ لها، فيؤخّر العقوبة عن بعض المستحقّين. ثمّ قد يعذّبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجّل العقوبة لبعضهم. وقال الزّجّاجيّ: يقال: حلم فلان عن فلان إذا لم يقابله على إساءته ولم يجازه عليها، فاللّه- عزّ وجلّ- حليم عن عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك
2- من الآيات الدالة على حلم الله عز وجل وعدم معاجلته بالعقوبة من عصاه
- وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ
- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا
- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً
3- وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه جل جلاله بالحلم
- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلّا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلّا اللّه ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش العظيم»
- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «التّأنّي من اللّه، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من اللّه، وما من شيء أحبّ إلى اللّه من الحلم»
4- بالأمس تواترت الأنباء بمقتل عدو الله ورسوله الذئب الأغبر والرجل الصنم الذي سام شعب ليبيا سوء العذاب، فقتل رجالهم وامتهن أشرافهم، وشرد سراتهم في مشارق الأرض ومغاربها؛ وعاث في الأرض فساداً، يقيء على الناس عفن جنونه الذي ظنه فكرا، وتصرف في الأموال والأملاك وكأنها إرث أبيه وجده، وبلغ به السفه والغرور أن يسمي نفسه ملك الملوك وعميد الحكام وإمام المسلمين، وهو أبعد ما يكون عن هذا كله؛ فعَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ» رواه مسلم في صحيحه، وفيه عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ» ولما أيقن أن شعبه قد مل حكمه وكره ملكه وعاف فكره؛ اتبع سياسة الأرض المحروقة فلم يبال بالحرمات التي انتهك ولا بالدم الذي سفك، وخرج على الناس يستنكر خروجهم ويستنكف من قولهم كلمة لا يقول لهم: من أنتم؟ ويصفهم بالجرذان والمهلوسين!! وما أحلم الله جل في علاه {إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)) فبعد العز ذل وبعد الملك هوان وبعد القصور حفر وأنابيب ((كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوماً آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين))
5- إن حلاوة السلطة والجاه والمال والأمر والنهي تتبدد عند أول دركات الخوف، وتنتهي فور علمه بفقدانه لسلطانه، وتستحيل إلى مرارة وألم يتمنى صاحبها إذ ذاك أنه لم يلِ من أمر الناس شيئا.. بل يتمنى الموت ولا يجده، فما أشد الذل والهوان بعد العز والجبروت.. ولا بد لكل صاحب ولاية أن يستحضر أثناء استمتاعه بحلاوة تسلُّم ولايته مرارة انتزاعها منه؛ لئلا يبطر على الناس فيظلمهم ويمارس طغيانه عليهم.. وأنى للجهلة والغافلين تذكر ذلك؟ّ! وأنى لهم تذكر آيات الله تعالى المرهبة من جميع أنواع الظلم بما فيه رفض الشريعة الربانية وتقديم الأهواء البشرية عليها ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)) وهذا التذكير الرباني نسمعه في كل جمعة تقريبا. ويتبرأ من الطاغوت كل من له به صلة من قرابة وصداقة ومصاهرة وغيرها؛ لأنهم يصبحون هدفاً للجماهير الهادرة الغاضبة لصلتهم بالطاغية المستبد، فهم شركاء في الغرم كما كانوا من قبل شركاء في الغنم..
فإذا كان هذا الذل والهوان يحيط بصاحب الولاية في الدنيا حال انتزاعها منه ببراءة الناس كلهم منه؛ فكيف بذل الآخرة وخوفها وحسابها وشدة العقاب فيها، وكيف به وهو يرى صفوف المظلومين وازدحامهم يطالبون بالقصاص ممن ظلموهم من جبابرة الأرض وسلاطينهم، فيا لله العظيم.. ما أرهبه من موقف من استحضره فلن يفتر لسانه سائلا ربه خمول الذكر، ووضاعة نفسه عن الجاه في الدنيا ((وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ)) ولولا ضعف الإيمان وكثرة النسيان لما ولي مؤمن من أمر الناس شيئاً خوفا من التبعات.
الخطبة الثانية
6ـ في زيارة لتركيا لحضور مؤتمر علمي، وهناك تجد الإسلام يتقدم يوماً بعد يوم رغم العلمانية العاتية التي استمرت نحواً من مائة سنة، وحاربت الإسلام في التشريع والقانون والثقافة والتعليم والزي والهيئة، بل في كل واد؛ نجد قلوب الناس قد التقت على حب رجل يحيي من معالم الدين ما استطاع، وهو الطيب رجب أردوغان حيث النزاهة شعاره ودثاره؛ نجح هذا الرجل فيما فشل فيه غيره من حكام المسلمين؛ بعدما كان الناس في استانبول لا يجدون ماء نقياً يشربونه وفر لهم المياه، وبعدما كانت استانبول من أقذر المدن صارت من أنظفها طرقات وأحسنها نظاما؛ لم يرتع في مال الله، ولم يقرب إليه من تحوم حوله الشبهات، بل تجد على صفحات الإنترنت مخصصاته للناس معلنة، يعرف الناس طراً من أين يكتسب ماله؟ وكم يقبض من خزينة الدولة؛
7- تسعى إحياء مشروع السودان الجديد واسمها (الحركة الشعبية لتحرير السودان)؛ تدعو إلى تحرير المرأة اجتماعياً وثقافياً؛ تهدف إلى إحداث اختراق في جسم السودان؛ فالحركة الأم كانت تدعو إلى السودان الجديد من خلال الحرب وبعد نيفاشا، وهذه تدعو إلى السودان الجديد بعد الانفصال، أضف إلى ذلك ما كان من إقامة معرض الكتاب المقدس؛ ثم قيامهم بالاعتداء على بعض المواطنين في قلب الخرطوم، وكأننا ما رحنا ولا جئنا؛ بل عدنا سنين إلى الوراء