خطب الجمعة

خطبة الجمعة 22/2/2013 – أساليب الشيطان في إضلال بني آدم

خطبة يوم الجمعة 11/4/1434 الموافق 22/2/2013

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك؛ إن عذابك الجد بالكفار ملحق، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو حي لا يموت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً؛ فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وذريته، ومن سار على نهجه وترسم خطاه واتبع سبيله إلى يوم الدين، أما بعد.

فإن الله تعالى لما خلق أبا البشر آدم عليه السلام، وخلق من ضلعه الأيسر أمنا حواء عليها السلام، وأسكنهما جنته وأباح لهما ما فيها وضمن لهما العيشة الهنية والحياة السوية؛ فوجه الخطاب لآدم عليه السلام قائلاً له: {إن لك ألا تجوع ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} قرن بين الجوع والعُرْي؛ لأن الجوع ذُلّ الباطن، والعري ذُلّ الظاهر. {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} وهذان أيضًا متقابلان، فالظمأ: حر الباطن، وهو العطش. والضحى: حر الظاهر.

وكان من ابتلاء الله لهما أن حرم عليهما شجرة واحدة من شجر الجنة، شجرة بعينها الله أعلم ما هي؟ ولا فائدة في تعيينها؛ أمرهما ألا يقرباها ورتب على مخالفة هذا الأمر حصول الشقاء فقال {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} فماذا حدث بعدها؟ تسلط عليهما عدو الله إبليس لعنه الله وبدأ في مراودتهما، واستعمل الحيلة والكذب، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}

وقاسمهما: فقال: إني خُلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: “من خادعنا بالله خُدعنا له”. إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَشَاءُ خَدَعْتَهُ … وَتَرَى اللَّئِيمَ مُجَرِّبًا لَا يُخْدَعُ

{فَدَلاهُمَا} أي: نزلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها

{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خَجِلا وجَعَلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك.

{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} وهما بتلك الحال موبخاً ومعاتبا: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} فلم اقترفتما المنهي، وأطعتما عدوَّكُما؟

أيها المسلمون: إن ربنا جل جلاله قد أبدأ وأعاد في تحذيرنا من عدونا إبليس، وأمرنا سبحانه بأن نعصي ذلك الشيطان الرجيم وألا نتخذه وذريته أولياء من دون الله؛ فقال سبحانه {يا بني آدم لا يفتننَّكم الشَّيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} وقال {إنَّ الشَّيطان لكم عدٌّ فاتَّخذوه عدوّاً} وقال {ومن يتَّخذ الشَّيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مُّبيناً} وعداوة الشيطان لا تحول ولا تزول؛ لأنه يرى أن طرده ولعنه وإخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم، فلا بدّ أن ينتقم من آدم وذريته من بعده: {قال أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذي كرَّمت عَلَيَّ لئِن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذريَّته إلاَّ قليلاً} وقد قال {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} من أحسن ما قيل في تأويل (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أَيْ لَأَصُدَّنَّهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَأُرَغِّبَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأُشَكِّكُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَهَذَا غَايَةٌ فِي الضَّلَالَةِ. كَمَا قَالَ: “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ” حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: “مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ” مِنْ دُنْيَاهُمْ. “وَمِنْ خَلْفِهِمْ” مِنْ آخِرَتِهِمْ. “وَعَنْ أَيْمانِهِمْ” يَعْنِي حَسَنَاتِهِمْ. “وَعَنْ شَمائِلِهِمْ” يَعْنِي سَيِّئَاتِهِمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَشَرْحُهُ: أَنَّ مَعْنَى “ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ” مِنْ دُنْيَاهُمْ، حَتَّى يُكَذِّبُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ وَأَخْبَارُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ “وَمِنْ خَلْفِهِمْ” مِنْ آخِرَتِهِمْ حَتَّى يُكَذِّبُوا بِهَا. “وَعَنْ أَيْمانِهِمْ” مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَأُمُورِ دِينِهِمْ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: “إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ”. “وَعَنْ شَمائِلِهِمْ” يَعْنِي سَيِّئَاتِهِمْ، أَيْ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، لِأَنَّهُ يُزَيِّنُهَا لَهُمْ. (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) أَيْ مُوَحِّدِينَ طَائِعِينَ مظهرين الشكر.

وهدفه البعيد لعنه الله أن يوصل الإنسان إلى الدرك الذي وصل إليه، أن يدخله جهنم {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} وهناك يتبرأ منه ومن أوليائه {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم}

وأما أهدافه القريبة فتتمثل في أمور:

أولها: إيقاع العباد في الشرك والكفر؛ وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله، والكفر بالله وبشريعته روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: “يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً”

ثانيها: إيقاعهم في الذنوب والمعاصي؛ فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر، فإنه لا ييأس، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم، ففي سنن الترمذي: “ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به” وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم” أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم، وإغراء بعضهم ببعض، كما قال تعالى {إنَّما يريد الشَّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصَّلاة فهل أنتم منتهون} وهو يأمر بكل شر {إنَّما يأمركم بالسُّوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}

ثالثاً: إيقاعهم في البدعة؛ وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي؛ لأن ضررها في الدين، قال سفيان الثوري: “البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها”

رابعاً: صدّه العباد عن طاعة الله؛ وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي، بل يصدهم عن فعل الخير، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير، يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه، يصدّهم ويميل بهم، فعن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟! فعصاه، فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول فعصاه، فهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟! فعصاه، فجاهد. فمن فعل ذلك، كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، ومن قتل، كان حقّاًَ على الله أن يدخله الجنّة، وإن غرق، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته، كان حقّاً على الله أن يدخله الجنة”

خامساً: إفساد الطاعات؛ فإذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة، كي يحرمهم الأجر والثواب، ومن ذلك أن الصحابي عثمان بن أبي العاص أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يَلبِسها عليّ” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذلك شيطان يقال له: خِنْزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً” قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني”

سادساً: الإيذاء البدني والنفسي؛ فقد حاول الشيطان لعنه الله أن يرمي بشهاب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وكذلك الحلم من الشيطان؛ فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرؤى التي يراها المرء في منامه ثلاثة أنواع، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الرؤيا ثلاث: فبشرى من الرحمن، وحديث نفس، وتخويف من الشيطان”

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره”

ومن ذلك تخبط الشيطان الإنسان عند الموت؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول: “اللهم إني أعوذ بك من التردي، والهدم، والغرق، والحريق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً”

ومن ذلك إيذاؤه الوليد حين يولد؛ وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن الحجاب”

ومن ذلك مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومسكنهم؛ فمن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أن يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما، ويشركه في المبيت في منزله، ويكون ذلك منه إذا خالف العبد هدي الرحمن، أو غفل عن ذكر الله، أمّا إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه، لا يغفل عن ذكر الله، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا.

هذا ومن شياطين الإنس من فاقوا إبليس جرأة على حدود الله، وانتهاكاً لحرمات الله، وصداً عن سبيل الله؛ حتى لو أن إبليس رآهم لقال لهم: اتقوا الله يا عباد الله، وقد صدق في هؤلاء قول القائل:

وكنت امرءً من جند إبليس فارتقى … بي الدهر حتى صار إبليس من جندي

فلو مات قبلي كنت أحسن بعده …    طرائـــق فسق ليس يحسنها بعدي

في صحف الأمس أن رجال الشرطة قد داهموا جماعة من الأناسي أشباه بني آدم وقد اجتمعوا في مكان ما؛ هل اجتمعوا ليحيوا سنة أو يتعاونوا على بر؟ اللهم لا، بل اجتمعوا عياذاً بالله ليزوجوا رجلاً من رجل!! هذا العفن وهذا الشر ما كنا نسمع به من قبل فما الذي أردانا؟ ما الذي أهلكنا؟ إن هؤلاء ينتسبون لمن يسمون بالفنانين هؤلاء الذين نفخت فيهم أجهزة الإعلام وبعض المسئولين في الدولة حتى صوروهم لنا أنهم الأسوة والقدوة، وأنهم السادة والقادة؛ فصارت الدولة تحتفي بهم أحياء وأمواتاً وتسخر أجهزتها وإمكاناتها للإشادة بهم وتعبيد الطريق أمامهم ليعيثوا في الأرض فسادا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى