كفر اليهود والنصارى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فكفر اليهود والنصارى مما تظاهرت عليه أدلة الكتاب المطهر؛ كقوله تعالى {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} وقوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم} وقوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} وقوله تعالى {وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} وقوله تعالى {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} وقوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
وأما السنة المشرفة فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وثبت أنه كاتب الملوك النصارى الذين كانوا في عهده يدعوهم إلى الإسلام؛ فكتب إلى هرقل «مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ» وَ{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ، وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عباس عن أبي سفيان بن حرب رضي الله عنهم. وكذلك كتب إلى النجاشي ملك الحبشة والمقوقس حاكم مصر يدعوهم إلى الإسلام.
فالإسلام هو الدين الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وأكمل به الدين وأتم به النعمة ختم به الشرائع، وهو الذي لا يقبل الله ديناً سواه، ولا ينجو يوم القيامة إلا من لقي الله به؛ قال سبحانه {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وقال سبحانه {إن الدين عند الله الإسلام} وأما اليهودية والنصرانية فهما في الأصل ديانتان قائمتان على التوحيد وعبادة الله تعالى؛ وقد جاء بهما نبيان كريمان هما موسى الكليم وعيسى روح الله وكلمته، على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه؛ لكن قد دخلهما من التحريف والتبديل ما أحالهما عن حقيقتهما التي جاء بها هذان النبيان الكريمان عليهما سلام الله، وقد كان أتباع هاتين الملتين شديدي العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} وقال سبحانه {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.
فمن زعم أن اليهودية والنصرانية داخلتان تحت مظلة الإسلام الواسع؛ فإننا نقول: ليس هناك إسلام واسع وإسلام ضيق؛ بل الإسلام – إذا أطلق – فلا يراد به إلا دين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دين الأنبياء جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما قال سبحانه على لسان إبراهيم وإسماعيل {ربنا واجعلنا مسلمين لك} وقال على لسان نوح {وأمرت أن أكون من المسلمين} وعلى لسان يوسف {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} وقال عن يعقوب {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون} فهؤلاء الأنبياء وأتباعهم مسلمون باعتبارهم كانوا يعبدون الإله الواحد جل جلاله وينطقون بكلمة التوحيد كما قال سبحانه {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وكلهم شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة؛ كما قال سبحانه {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}
أما اليهود والنصارى بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فليسوا بمسلمين، ولا هم من الناجين؛ لأن الكفر بنبي واحد كفر بسائر النبيين؛ كما قال سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين} وقال {كذبت عاد المرسلين} وقال {كذبت ثمود المرسلين} وقال {كذبت قوم لوط المرسلين} وقال {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} وكل واحدة من هذه الأمم كلها ما كذبت إلا نبيها، ومع ذلك نسب الله إليهم تكذيب جميع المرسلين؛ وقال جل من قائل {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذاباً أليما} فمن زعم أن اليهود والنصارى اليوم داخلون تحت مظلة الإسلام الواسع فهو كذاب أشر أو جاهل أحمق؛ لتكذيبه نصوص القرآن والسنة وما أجمع عليه المسلمون، والله الموفق والمستعان.