متابعة الإمام من المصحف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالأذان إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، وعليه فما ينبغي الزيادة على تلك الألفاظ ولا النقص منها؛ فلا يشرع للمؤذن أن يفتتح بالبسملة، ولا أن يرفع صوته بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسـلم قبل الأذان ولا بعده، بل عليه أن يتقيد بالألفاظ الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام في أذان بلال أو ابن أم مكتوم أو أبي محذورة رضي الله عنهم أجمعين، ولا يزيد على ذلك شيئاً، من أجل أن يحصل له كمال الاتباع، ويسلم الناس من الخلاف
وأما متابعة الإمام من المصحف فلا تشرع في صلاة الفريضة، وأكثر العلماء يمنعون ذلك؛ حيث ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى أنه ليس للمصلي أن يقرأ من المصحف، فإن قرأ بالنظر في المصحف فسدت صلاته مطلقا، أي قليلاً كان ما قرأه أو كثيرا، إماماً كان أو منفرداً، وكذا لو كان ممن لا يمكنه القراءة إلا منه لكونه غير حافظ. وقد اختلف الحنفية في تعليل قوله، فقيل: لأن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، وقيل: لأنه تلقن من المصحف، فصار كما إذا تلقن من غيره، وصحح هذا الوجه في الكافي تبعا لتصحيح السرخسي، وعليه فلو لم يكن قادراً على القراءة إلا من المصحف فصلى بلا قراءة فإنها تجزئه. وذهب الصاحبان إلى تجويز القراءة للمصلي من المصحف مع الكراهة لما في ذلك من التشبه بأهل الكتاب. حاشية ابن عابدين 1/419
وذهب المالكية إلى أنه يكره للمصلي القراءة من المصحف في فرض أو نفل لكثرة الشغل بذلك، لكن كراهته عندهم في النفل إن قرأ في أثنائه، ولا يكره إن قرأ في أوله، لأنه يغتفر في النفل ما لا يغتفر في الفرض، قال ابن قدامة: ورويت الكراهية في ذلك عن ابن المسيب والحسن ومجاهد والربيع. المغني 1/575
وأجاز الحنابلة القراءة في المصحف في قيام رمضان إن لم يكن حافظا، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها في مولى لها اسمه ذكوان كان يؤمها من المصحف، ويكره في الفرض على الإطلاق، لأن العادة أنه لا يحتاج إليه فيه، ويكره للحافظ حتى في قيام رمضان، لأنه يشغل عن الخشوع وعن النظر إلى موضع السجود.
وذهب الشافعية إلى أن المصلي لو قرأ في مصحف ولو قلب أوراقه أحيانا لم تبطل صلاته، لأن ذلك يسير أو غير متوال لا يشعر بالإعراض. أسنى المطالب 1/583