القنوت في صلاة الصبح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالقنوت: بالتاء هو الدعاء والطاعة، وهو السكوت، وهو أيضا طول القيام في الصلاة. وقنت الرجل: أي دعا على عدوه، وقنت: أطال القيام في صلاته.
والقنوت في صلاة الصبح قد اختلف الأئمة رحمهم الله في مشروعيته؛ فذهب أحمد وأبو حنيفة رحمهما الله إلى أنه لا يسن القنوت في صلاة الصبح ولا في غيرها من الصلوات سوى الوتر؛ لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه. وعن أبي مالك رضي الله عنه قال : قلت لأبي: إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون في الصبح؟ قال: أي بني محدث. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
وذهب مالك والشافعي إلى أن القنوت في صلاة الصبح سنة في جميع الزمان، لأن أنساً رضي الله عنه قال: {ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا} رواه أحمد وعبد الرزاق والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححاه ، وكان عمر رضي الله عنه يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم. روى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه أنه قنت في صلاة الصبح فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكافرين ملحق. اللهم عذِّب الكفَّار أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك}
والمستحب عند المالكية أن يكون قبل الركوع؛ لما فيه من تطويل القيام ليتسنى للمسبوق إدراك الركعة،وهو المروي عن عمر وعلي وابن مسعود وخلق من الصحابة رضي الله عنهم، وهو مذهب إسحاق ومالك. ويستحب عند هم – أي المالكية -الإسرار بالدعاء في القنوت
وأما عند الشافعية فهو عندهم بعد الركوع جهراً؛ وكلا الأمرين سائغ مشروع؛ لما روى حميد قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال {كنا نقنت قبل الركوع وبعده} أخرجه ابن ماجه. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (المجموع): مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها – يعني صلاة الصبح – سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم، وممن قال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم. رواه البيهقي بأسانيد صحيحة. وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق، وهو مذهب ابن أبي ليلي والحسن بن صالح ومالك وداود، وقال عبد الله ابن مسعود وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد: لا قنوت في الصبح.ا.هـــــــــــــ
وهذه المسألة – كما هو ظاهر – قد تعددت فيها مذاهب العلماء، والخلاف فيها معتبر؛ والناس على مذهب إمامهم الذي يصلي بهم فإن قنت قنتوا معه وإلا فلا؛ حتى لا تصبح مادة للخلاف بين المسلمين في المسجد الواحد، واعلم بارك الله فيك أن العلماء متفقون على صحة صلاة من قنت ومن ترك.
وما أجمل مقولة ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) حيث حقَّق المسألة ثم قال: والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وسلم جهر وأسرَّ وقنت وترك.. ثم قال: وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح….، ثم قال: ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعل ذلك ثم تركه، فأراد أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً…. ويقولون: هو منسوخ وفعله بدعة… وأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، ويقولون: فعله سنة وتركه سنة، فلا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفاً للسنة.ا.هـــــــ والله أعلم.