المسح على الجوربين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا حرج في المسح على النعلين إذا كانا ملبوسين على جوربين؛ ولا حرج في خلع النعلين والمسح على الجوربين وحدهما؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في المسند والسنن ـ أنه توضأ فمسح على الجوربين والنعلين، قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم.ا.هــــــ قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله في شرح الترمذي: الْجَوْرَبُ غِشَاءٌ لِلْقَدَمِ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ وَهُوَ التِّسْخَانُ.ا.هـــــ
ولما ثبت في سنن أبي داود عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ؛ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ.قال البغوي رحمه الله تعالى في شرح السنة: أصل التساخين: كل ما يسخن القدم من خف وجورب ونحوه.ا.هــــــــ ولأن الجورب في معنى الخف؛ ولأن المشقة تحصل بخلعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإنسان في ببته أو خارجه؛ لأن الرخصة ثابتة للجميع. قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ: مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْنِ تَحْتَهُمَا جَوْرَبَانِ، وَكَانَ قَاصِدًا بِمَسْحِهِ ذَلِكَ إِلَى جَوْرَبَيْهِ لَا نَعْلَيْهِ وَجَوْرَبَاهُ لَوْ كَانَا عَلَيْهِ بِلَا نَعْلَيْنِ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ مَسْحُهُ ذَلِكَ مَسْحًا أَرَادَ بِهِ الْجَوْرَبَيْنِ فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ فَكَانَ مَسْحُهُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ هُوَ الَّذِي تَطْهُرُ بِهِ وَمَسْحُهُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَضْلٌ.ا.هـــــــــــــــــــ وَقَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي تَهْذِيبِ السُّنَنِ: قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ يُرْوَى الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْبَرَاءِ وَبِلَالٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا اِنْتَهَى كَلَامُ اِبْنِ الْقَيِّمِ .ا.هـــــــــــــــ
وقال الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في فتاواه: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، فَفِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنْ الصُّوفِ وَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا، بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى، وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا كَالْحَاجَةِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ، وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ .ا.هــــــــــــــــــ
ولا بد أن تعلم أن المسح عليهما مقيد بشروط بعضها في الماسح وبعضها في الممسوح؛ فالماسح لا بد أن يكون قد لبسهما على طهارة كاملة، أي بعد أن يتوضأ، وأن يكون الحدث الموجب للوضوء حدثاً أصغر – كبول ونوم وغائط – ولا بد أن يتقيد بمدة المسح التي هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كنت في الجيش الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما إلا من جنابة. رواه أحمد وأصحاب السنن.وأما الممسوح إذا كان خفاً أو نعلاً غير ملبوس على جوربين فلا بد أن يكون ساتراً لمحل الفرض الذي هو القدم كله إلى الكعبين. صفيقاً لا يبدو لون البشرة من تحته، وكان سليماً لا يبدو منه ثلث القدم فأكثر.
وصفة المسح هي أن يكتفي بالمسح على ظهر الخفين أو الجوربين أو النعلين مسحاً خفيفاً، ولا يمسح على باطنهما مما يلي الأرض. لما روى أبو داود وغيره أن علياً رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه. وله أن يمسح ظاهر قدمه اليمنى بيده اليمنى، وظاهر قدمه اليسرى بيده اليسرى مرة واحدة. والعلم عند الله تعالى.