تربية الحمير وتصديرها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالكلام في هذه المسألة يتناول البحث في ثلاثة أمور:
أولها: حكم أكل لحم الحمير
حيث ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رحمهم الله تعالى إلى تحريم أكلها؛ وذلك للنصوص الثابتة في النهي عن أكلها، ومن ذلك:
1/ حديث سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَمْسَى الْيَوْمُ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ خَيْبَرُ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ النَّارُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ: أَوْ ذَاكَ» متفق عليه
2/ حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَبْنَا مِنْ لَحْمِ الْحُمُرِ يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجِسٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
3/ حَدِيثِ عَلِيٍّ وجابر وابن عمر وابن عباس والبراء وأبي ثعلبة وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم بِلَفْظِ «نَهَى عَامَ خَيْبَرَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» متفق عليه
4/ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ
وقد ذهب بعض أهل العلم منهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه ومالك في إحدى الروايات، إلى عدم تحريمها استدلالا بأحاديث منها:
1/ ما رواه الشيخانِ عن الشَّعْبِيِّ عن ابن عباس قال (لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ أَوْ حُرِّمَتْ)
2/ ما رواه البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ يَعْنِي ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَرَأَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}
3/ أن التحريم كان لمعنى خاص لا للتأبيد؛ حيث روى ابن ماجه والطبراني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةِ مَخَافَةَ قِلَّةِ الظَّهْرِ» قال الشوكاني: وإسناده ضعيف، وعن بعضهم: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى “فَقَالَ نَاسٌ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ”
4/ وبما أَخْرَجَه أَبُو دَاوُد عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ «أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَدْ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، قَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَالِّ الْقَرْيَةِ» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ جَمْعُ جَالَّةٍ، مِثْلُ سَوَامِّ جَمْعِ سَامَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهَوَامِّ جَمْعِ هَامَّةٍ: يَعْنِي الْجَلَّالَةَ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ.
5/ وبما أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ نَصْرٍ الْمُحَارِبِيَّةِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ: أَلَيْسَ تَرْعَى الْكَلَأَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: فَأَصِبْ مِنْ لُحُومِهَا» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ قَالَ: سَأَلْتُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وقد أجاب الجمهور على حجج القائلين بالإباحة بأجوبة منها:
أولاً: أن الاستدلال بآية الأنعام {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا، وَأَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ فَقَدْ تَوَاتَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْقِيَاسِ.
ثانياً: أن آية الأنعام مَكِّيَّةٌ، والتحريم إنما كان بعد ذلك في يوم خيبر
ثالثاً: المعنى الخاص الذي ذكروه من كونها ركوبة الناس، أو أنها تأكل العذرة، أو أنها لم تخمس، أجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح حيث قال: وَقَدْ أَزَالَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تُخَمَّسْ أَوْ كَانَتْ جَلَّالَةً أَوْ غَيْرَهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ “فَإِنَّهَا رِجْسٌ” وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ.ا.هـــــــــــــــ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إنَّهَا رِجْسٌ عَائِدٌ عَلَى الْحُمُرِ لِأَنَّهَا الْمُتَحَدَّثُ عَنْهَا الْمَأْمُورُ بِإِكْفَائِهَا مِنْ الْقُدُورِ وَغَسْلِهَا، وَهَذَا حُكْمُ النَّجَسِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا لِعَيْنِهَا لَا لِمَعْنًى خَارِجٍ.ا.هــــــــ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْأَمْرُ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ظَاهِرُ أَنَّهُ بِسَبَبِ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْحُمُرِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ وَرَدَتْ عِلَلٌ أُخَرُ إنْ صَحَّ رَفْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، لَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْ عِلَّةٍ. وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ فَلَا مُعَدَّلَ عَنْهُ.
وَأُمَّا التَّعْلِيلُ بِخَشْيَةِ قِلَّةِ الظَّهْرِ فَأَجَابَ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْمُعَارَضَةِ بِالْخَيْلِ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنْ الْحُمُرِ وَالْإِذْنَ فِي الْخَيْلِ مَقْرُونَانِ – يعني بذلك ما رواه الشيخان من قول جابر رضي الله عنه “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية, وأذن في لحوم الخيل” – فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَجْلِ الْحُمُولَةِ لَكَانَتْ الْخَيْلُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ وَعِزَّتِهَا وَشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ.
رابعاً: وأما حَدِيثُ غالب بن أبجر فلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ: وَالْمَتْنُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ كَثِيرًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ. قَالَ الحافظ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله تعالى: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٌ وَالْبَرَاءُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَأَنَسٌ وَزَاهِرٌ الْأَسْلَمِيُّ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ وَحِسَانٍ. وَحَدِيثُ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ لَا يُعَرَّجُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ مَا يُعَارِضُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُمْ فِي مَجَاعَتِهِمْ وَبَيَّنَ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا الْمُطْلَقِ بِكَوْنِهَا تَأْكُلُ الْعَذِرَاتِ.
خامساً: وأما حديث أم نصر المحاربية فقد قال الحافظ رحمه الله تعالى: فِي السَّنَدَيْنِ مَقَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَوْلَا تَوَاتُرُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ لَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حَلَّهَا، لِأَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ مِنْ الْأَهْلِيِّ أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ إذَا كَانَ وَحْشِيًّا كَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى حِلِّ الْوَحْشِيِّ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي حِلَّ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي نَظِيرِهِ الْحَيَوَانُ الْوَحْشِيُّ كَالْهِرِّ.
ثانيها: حكم التداوي بألبانها:
حيث اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم شرب لبن الحمير للتداوي بمنعه بعضهم وأباحه آخرون؛ حيث ذكر الحطاب في مواهب الجليل عن ابن رشد عن مالك: إنه لا بأس بالتداوي بلبن الأتان مراعاة للخلاف في جواز أكلها، حكى ذلك ابن حبيب عن مالك وسعيد والقاسم وعطاء، وروي إباحة التداوي بها عن النبي صلى الله عليه وسـلم وإلى إجازة ذلك ذهب ابن المواز.ا.هـــــــــــــــــــــــــ قال ابن ما يابى الشنقيطي في نظمه لنوازل العلوي مشيراً إلى قول مالك فيها:
ولبن الحمير للدواء… أجازه الإمام ذو اللواء
ومثله في لبن الخيول.. مع البغال قاله الجزولي
وكذا أجازه الشافعية بناء على قاعدتهم في جواز التداوي بالنجس من الأبوال؛ قال النووي رحمه الله تعالى: وإن كان ينتفع بالتداوي به حل التداوي به أي النجس.
وكذلك الأحناف رحمهم الله تعالى اختلفوا فيه – كما ذكر الزيلعي في تبيين الحقائق – فمنهم من أجازه ومنهم من منعه لأن الاستشفاء بالحرام حرام.
وأما الحنابلة فقد قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وقال في رواية حنبل في ألبان الأتن: لا تشر ولا لضرورة، ونقل عنه ابن منصور وجماعة في مريض وصف له دواء يشربه مع ألبان الأتن: لا تشربه.
قال ابن مفلح: قد ذكر الأطباء أن لبن الأتن قليل الدسومة رقيق يشد الأسنان واللثة إذا تمضمض به بخلاف غيره من الألبان، جيد للسعال والسل ونفث الدم إذا شرب حليباً حين يخرج من الضرع، وينفع من الأدوية القتالة والزحير وقروح الأمعاء، وهو غير موافق لأصحاب الصداع والطنين والدود.ا.هــــــ
ثالثها: حكم بيعها
لا حرج في تربية الحمير وبيعها؛ وذلك لعموم المنافع التي فيها، وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه إلا ما ورد النص في المنع منه كالكلب ونحوه؛ حيث ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم أنه نهى عن ثمن الكلب، أما الحمير فقد ذكرها ربنا جل جلالـه في معرض الامتنان على العباد بما سخر لهم حيث قال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون}
ومن هنا تكلم أهل العلم رحمهم الله تعالى في زكاتها إذا اتخذت للتجارة؛ حيث قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وأما الخيل والبغال والحمير والمتولِّد بين الغنم والظباء فلا زكاة فيها كلها عندنا بلا خلاف، وسواء كانت الخيل إناثاً أو ذكوراً أو ذكوراً وإناثا، وسواء في المتولدين كانت الإناث ظباء أو غنماً فلا زكاة في الجميع مطلقاً، وهذا إذا لم تكن للتجارة فإن كانت لها وجبت زكاتها.ا.ه
هذا: ومحل البحث فيما لو غلب على ظن البائع أو المصدِّر لتلك الحمر، أن طالبها إنما يشتريها أو يستوردها لا لاستعمالها في غرض مباح – من ركوبها أو الحمل عليها – وإنما هو من آكليها، وهذا هو الغالب من حال أهل الصين مثلاً؛ حيث لا يتورع غير المسلمين منهم عن أكل لحوم الحمر وغيرها من الدواب – حلالاً كانت أو حراماً في شرع المسلمين – فهل يجوز للمسلم في تلك الحال البيع أو التصدير لهؤلاء؟؟
الذي يظهر من قواعد الشريعة أن ذلك لا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال سبحانه {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} خاصة مع ترجيح القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة استدلالا ًبقوله تعالى {ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين} ولأن بائع تلك الحمير ومصدرها – والحال ما ذكر – معين على الباطل، والمعين على الباطل مشارك لفاعليه. والعلم عند الله تعالى.