خطب الجمعة

خطبة الجمعة 15/1/2010 – أسباب ومظاهر ضعف الإيمان

خطبة يوم الجمعة 29/1/1431 الموافق 15/1/2010

الحمد لله على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة إلى يوم لقائه، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.

فقد تقدم معنا الكلام في أن الإيمان يزيد وينقص وأن الناس فيه ليسوا سواء؛ كما قال ربنا عز وجل {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون #  وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم فاسقون} وقال سبحانه {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} وقال سبحانه {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين}

1ـ إن حرياً بالمسلم الموافق أن يراقب قلبه وأن يتفقد إيمانه؛ إذ المعول على القلوب، وقد سُمِّي القلب قلباً لسرعة تقلبه، قال عليه الصلاة والسلام (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلَّقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن) رواه أحمد، وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً) رواه ابن أبي عاصم؛ ولما كان معلوماً من نصوص القرآن {أن الله يحول بين المرء وقلبه} وأنه لن ينجو يوم القيامة {إلا من أتى الله بقلب سليم} وأن الويل {لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} وأن الوعد بالجنة لـ {مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} كان لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه، ويعرف مكمن الداء وسبب المرض، ويشرع في العلاج قبل أن يطغى عليه الران فيهلك؛ والأمر عظيم والشأن خطير؛ فإن الله قد حذرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والأعمى والأغلف والمنكوس والمطبوع والمختوم عليه.

 2ـ ولو استعرضنا مظاهر ضعف الإيمان وأسباب ذلك وعلاجه؛ لوجدنا أموراً يحسن التنبيه عليها: فمن مظاهر ضعف الإيمان:

  • الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات: فمن العصاة من يرتكب معصية معيَّنة يصر عليها، ومنهم من يرتكب أنواعاً شتى من المعاصي، وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة، ثم يزول قبحها في القلب تدريجياً حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه البخاري.
  • الشعور بقسوة القلب وخشونته: حتى يحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يترشح منه شيء، ولا يتأثر بشيء، والله جل وعلا يقول {ثم قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} وصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة الموت ولا رؤية الأموات، وربما حمل الجنازة بنفسه، وواراها بالتراب، لكن سيره بين القبور كسيره بين الأحجار.
  • عدم إتقان العبادات؛ ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلاة، وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار، تجد أحدهم لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، لا يشعر للعبادة بلذة، ولا للمناجاة بحلاوة، بل هي حركات جوفاء لا روح فيها
  • ومن مظاهر ضعف الإيمان؛ التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها، وقد وصف الله عز وجل المنافقين بقوله {وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة؛ وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر.
  • ضيق الصدر، وتغير المزاج، وانحباس الطبع؛ حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به؛ فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء.
  • ومن المظاهر أيضاً عدم التأثر بآيات القرآن لا بوعده ولا بوعيده، ولا بأمره ولا نهيه، ولا في وصفه للقيامة، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف كاد أن يغلقه.
  • ومنها الغفلة عن الله عز وجل عن ذكره ودعائه سبحانه وتعالى فيثقل الذكر على الذاكر، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي؛ وقد وصف الله المنافقين بقوله {إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً}
  • ومن مظاهره الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة؛ فتراه مرتعد الفرائص، مختل التوازن، شارد الذهن، شاخص البصر، يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية، فتنغلق في عينيه المخارج، وتركبه الهموم؛ فلا يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت وقلب قوي، وهذا كله بسبب ضعف إيمانه.
  • ومنها الشح والبخل: فلا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح؛ قال (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً) رواه النسائي.
  • ومن مظاهر ضعف الإيمان: التعلق بالدنيا، والشغف بها، والاسترواح إليها، فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة أن يحس بالألم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن، ويعتبر نفسه سيئ الحظ، ويحس بألم أكثر إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ الدنيا.
  • عدم الاهتمام بقضايا المسلمين، ولا التفاعل معها لا بدعاء ولا صدقة ولا إعانة؛ فهو بارد الإحساس تجاه ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والاضطهاد والكوارث، فيكتفي بسلامة نفسه؛ وهذا نتيجة ضعف الإيمان.

3ـ أسباب ضعف الإيمان؛ إن لضعف الإيمان أسباباً منها:

  • الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة: وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس، يقول الله عز وجل {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
  • الابتعاد عن طلب العلم الشرعي والاتصال بكتب السلف والكتب الإيمانية، التي تحيي القلب؛ فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان، وتحرك الدوافع الإيمانية الكامنة في نفسه؛ وعلى رأس هذه الكتب: كتاب الله تعالى وكتب الحديث، ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ الذين يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب، مثل: كتب العلامة ابن القيم، وابن رجب، وغيرهما.
  • وجود الإنسان في وسط يعج بالمعاصي؛ فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها، وثالث يدخن، ورابع يبسط مجلة ماجنة، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم… وهكذا، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة.
  • طول الأمل؛ قال الله تعالى {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وقال عليٌّ رضي الله عنه (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى: فيصد عن الحق، وأما طول الأمل: فينسي الآخرة) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن؛ وجاء في الأثر (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا). وقيل (من قصر أمله قصر همه وتنوّر قلبه؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة)
  • ومن أسباب ضعف الإيمان وقسوة القلب: الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة، وكثرة الضحك؛ فإن الوقت الذي لا يُملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلباً صلداً لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان.
  •  

موعظة بسبب كسوف الشمس

إن الله تعالى يرسل الآيات تترا ليخوف عباده؛ لينتهوا عن معاصيه ويقبلوا على طاعته، قال سبحانه {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} ها نحن في شهرنا هذا ـ شهر الله المحرم ـ ينخسف القمر في وسطه، وتنكسف الشمس في آخره، ويضرب الزلزال المروع جزر هاييتي فيخلف عشرات الألوف من القتلى، هذا غير الجرحى والمفقودين، ويصبح الناس والجثث متناثرة في الشوارع يمر عليها الناس ولا يملكون حتى أن يواروها الثرى، كل مشغول بنفسه، وهم في الظلام الدامس خائفون، ومن تكرر الزلزال وجلون؛ قال تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} إن ناساً قد انبعثوا في المعاصي وأدمنوا الموبقات، حتى إنك لتجد أحدهم مجاهراً بالحرام فخوراً به، عياذاً بالله تعالى، وتجد الكفر البواح ينشر في بلدنا هذه على صفحات الجرائد ولا نكير، بل بلغ الأمر أن يقتل طالب في جامعة السودان زميله طعناً بالسكين في قلبه، والقاتل منتم إلى حزب جاهلي مقيت (البعث العربي الاشتراكي) بل بلغ الهوان بأن نسمع في أخبار الأمس أن الشيوعي القميء عدو الله ورسوله المحاد لشرعه ودينه، الساعي بالفساد في الأرض، المحب للرذيلة المحارب للفضيلة، المنتمي للحركة الشعبية العنصرية البغيضة، يرشح نفسه ليكون رئيساً للجمهورية. لا إله إلا الله. والله لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس.

يا أيها الناس إنه لا ينجيكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة إلا صالح عملكم {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى