خطبة الجمعة 17/4/2015 – أخلاقيات الحرب عند المسلمين
خطبة يوم الجمعة 28/6/1436 الموافق 17/4/2015
1- الحرب في الإسلام حرب أخلاقية، مثلها مثل الاقتصاد والسياسة والعلم والعمل؛ فليس في الإسلام مبدأ الغاية تبرر الوسيلة كما هو عند الغرب، والذي كان من نتائجه سيادة فكرة حق القوة لا قوة الحق، ومن أبرز آثاره حق الفيتو؛ وليس في الإسلام نظرية تفاضل الأجناس؛ بمعنى أن عرقاً يفضل عرقاً بحكم الجبلة والطبيعة، مما أدى إلى وقوع حربين كونيتين هلك فيها من الأنفس البريئة ما لا يحصيه إلا الله، بل المبدأ {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
2- الأخلاق في الإسلام جزء أساسي من الدين؛ فليست هي نافلة بل فريضة محكمة، فالعدل والإحسان والرحمة والصدق والأمانة والإخلاص والوفاء بالعهد والعفاف والحياء والتواضع والسخاء وحب الخير للناس ورعاية الحرمات وبر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار واجبات دينية أمر بها الله جل جـلاله ورسوله صلى الله عليه وسـلم، وتعتبر من شعب الإيمان؛ كما أن أضدادها من الرذائل من الظلم والإساءة والقسوة والكذب، والخيانة والرياء، والغدر والفجور، والكبر والشح والحقد والحسد، والزنى والسكر واكل الحرام والربا، وأكل مال اليتيم وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ونحوها من خصال السوء، هي من المحرمات التي نهى الله عنها ورسوله، وتُعدُّ من شعب النفاق بل بعضها يعد من كبائر الإثم والفواحش
3- هناك أخلاق تلزم المسلمين قبل الحرب؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسـلم يرسل العيون والجواسيس ليأتوه بخبر العدو؛ من أمثال حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن أنيس وعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، حيث كانوا يأتونه بالمعلومات عن عدد الأعداء وعدتهم وتحركاتهم ومخابئ أسلحتهم وخططهم ونقاط الضعف عندهم، لكن المسلمين لا يستخدمون الوسائل غير الأخلاقية التي تستخدمها عادة أجهزة الاستخبارات كالخمر والنساء؛ فالمسلمون لا يستعينون على نصرة الحق بطريق الباطل ولا يحصِّلون طاعة الله بمعصية الله، ففي الحديث “إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث”
4- الأخلاق أثناء الحرب ليس فيها أخذ للبريء بالمسيء ولا المسالم بالمحارب، وليس عندنا معشر أهل الإسلام حرب جرثومية ولا نستخدم أسلحة نووية مهلكة للحرث والنسل، بل نعد هذا من الإفساد في الأرض، وما أصدق تصوير القرآن لحال الحضارة الغربية في زماننا {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد}
5- ما بعد الحرب يرعى الإسلام حقوق الأسرى ويحث على العطف عليهم وإشعارهم بإنسانيتهم، وعدم إذلالهم وإهانتهم أو تخويفهم وتعذيبهم؛ بل يبشرهم بغد أفضل ومستقبل أطيب إذا أخلصوا نيتهم وتخلوا عن ظلمهم وكفرهم {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم} وهكذا فتح المسلمون بلاد فارس والشام ومصر وشمال إفريقيا فكان فتحهم فتح عدل ورحمة وعمارة وإحسان ولم يكن فتح تدمير وتخريب أو قهر واستغلال
6- وخلاصة أخلاقيات القتال في الإسلام متمثلة في جملة من المبادئ:
أولها: تحريم العدوان؛ حيث نهى الله عنه بقوله {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وقد فسر الاعتداء المنهي عنه بأمرين: الأول بقتال غير المسلمين الذين لا يقاتلون المسلمين ولا يعادونهم ولا يظاهرون عليهم عدوا، والثاني بقتل النساء والأطفال والشيوخ الضعفاء والزمنى والعميان وأمثالهم ممن ليسوا من أهل الحرب والقتال، وقد علل النهي بعلة لا تقبل النسخ وهي قوله تعالى {إن الله لا يحب المعتدين} ولا يبيح الإسلام للمسلمين أن يعتدوا بسبب شنئان الأعداء
ثانيها: تحريم قتل من لا يقاتل ولا يحمل السلاح من الأطفال والنساء والشيوخ الهرمين والرهبان الذين يتعبدون في صوامعهم والزمنى، وقد كانت هذه سنة الراشدين رضي الله عنه بعد نبيهم صلى الله عليه وسـلم فروى مالك في الموطأ أن أبا بكر أوصى يزيد بن أبي سفيان فكان مما قاله له: “إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله؛ فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبياً ولا كبيراً هرما..” اللهم إلا من كان مقاتلاً أو معيناً على القتال؛ فقد قتل النبي صلى الله عليه وسـلم يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن مسلمة، وقتل دريد بن الصمة يوم حنين ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسـلم قتله
ثالثها: تحريم المثلة وذلك بتشويه جثة العدو وقطع بعض أعضاء جسده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “أعفُّ الناس قتلة أهل الإيمان” وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس البطريق فأنكر ذلك؛ فقيل له: يا خليفة رسول الله، إنهم يفعلون ذلك بنا! فقال: فاستنان بفارس والروم؟ لا يحمل إليَّ رأس فإنه يكفي الكتاب والخبر. وأتي أبو بكر برأس فقال: بغيتم. أي هذا من فعل أهل البغي والظلم لا من فعل أهل الإيمان.
رابعها: تحريم الغدر والخيانة قال تعالى {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} وقال {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} وقال {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} وقال {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون. ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة}