خطبة الجمعة 19/8/2011 – دعاء الصائمين
خطبة يوم الجمعة 19/9/1432 الموافق 19/8/2011
فإن رمضان هو شهر الدعاء، وقد حثَّنا ربنا جل جلاله على الدعاء حين حدثنا عن الصيام وأحكامه؛ فقال سبحانه ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والمسافر حتى يرجع، ودعوة الوالد لولده} فأكثروا من الدعاء في هذا الشهر، وأملوا من ربكم خيرا، واعلموا أن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل لاهٍ؛ ادعوا الله دعاء المسألة، سلوه أن يجلب لكم ما ينفعكم، وأن يكشف عنكم ما يضركم، وادعوا الله دعاء العبادة مصحوباً بالخوف والرجاء، وذلك بالثناء على الله بما هو أهله كما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
1-أقسام الدعاء: لفظ الدّعاء والدّعوة في القرآن الكريم يتناول معنيين: الأوّل: دعاء العبادة، والآخر دعاء المسألة.
ودعاء المسألة هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضرّه ودفعه، وكلّ من يملك الضّرّ والنّفع فإنّه هو المعبود (بحقّ).
أمّا دعاء العبادة فهو الّذي يتضمّن الثّناء على اللّه بما هو أهله ويكون مصحوباً بالخوف والرّجاء.
والدّعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان، فالعبد يدعو للنّفع أو دفع الضّرّ دعاء المسألة ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة؛ فكلّ دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكلّ دعاء مسألة متضمّن لدعاء العبادة، وقد ورد المعنيان جميعا في قوله سبحانه: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))
أمّا قوله سبحانه: ((وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)) فإنّه يتناول نوعي الدّعاء أيضا، وبكلّ منهما فسّرت الآية، قيل: المعنى: أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.
ومن ذلك قوله سبحانه: ((وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) ولكنّه في دعاء العبادة أظهر، ولهذا أعقبه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي)) وقد فسّر الدّعاء في الآية بهذا وبهذا، وأمّا قوله سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)) فالمراد به دعاء العبادة المتضمّن دعاء المسألة، وأمّا قوله سبحانه: ((فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ))، فهذا هو دعاء العبادة والمعنى اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته، وذلك بخلاف قوله تعالى: ((ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ)) فهذا دعاء المسألة، يبكّتهم اللّه تعالى ويخزيهم يوم القيامة بأن يروا أنّ شركاءهم لا يستجيبون لدعوتهم، وليس المراد اعبدوهم.
2- آداب الدعاء: قال الإمام الغزاليّ- رحمه اللّه تعالى-: من آداب الدّعاء:
1- أن يترصّد لدعائه الأوقات الشّريفة كيوم عرفة من السّنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السّحر من ساعات اللّيل.
2- أن يغتنم الأحوال الشّريفة كحال الزّحف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصّلاة، وعند إفطار الصّائم، وحالة السّجود، وفي حال السّفر.
3- أن يدعو مستقبل القبلة، مع خفض الصّوت بين المخافتة والجهر، وأن لا يتكلّف السّجع في الدّعاء فإنّ حال الدّاعي ينبغي أن يكون حال متضرّع والتّكلّف لا يناسبه.
4- الإخلاص في الدّعاء والتّضرّع والخشوع والرّغبة والرّهبة، وأن يجزم الدّعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه.
5- أن يلحّ في الدّعاء ويكون ثلاثا، كما ينبغي له أن لا يستبطئ الإجابة.
6- أن يفتتح الدّعاء ويختتمه بذكر اللّه تعالى والصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ يبدأ بالسّؤال.
7- التّوبة وردّ المظالم والإقبال على اللّه- عزّ وجلّ- بكنه الهمّة، وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة، وتحرّي أكل الحلال. قال سفيان الثّوريّ- رحمه اللّه تعالى-: «بلغني أنّ بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتّى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال، وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرّعون فأوحى اللّه- عزّ وجلّ إلى أنبيائهم- عليهم السّلام- لو مشيتم إليّ بأقدامكم حتّى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السّماء وتكلّ ألسنتكم عن الدّعاء، فإنّي لا أجيب لكم داعيا، ولا أرحم لكم باكيا حتّى تردّوا المظالم إلى أهلها، ففعلوا فمطروا من يومهم»
قال يحيى الغسّانيّ- رحمه اللّه تعالى-: أصاب النّاس قحط على عهد داود عليه السّلام، فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: «اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللّهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللّهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللّهمّ إنّا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا» فسقوا
قال الشّافعيّ- رحمه اللّه-:
أتهزأ بالدّعاء وتزدريه … وما تدري بما صنع الدّعاء
سهام اللّيل لا تخطي ولكن … لها أمد وللأمد انقضاء.
وقال رحمه الله تعالى:
وربّ ظلوم قد كفيت بحربه … فأوقعه المقدور أيّ وقوع
فما كان لي الإسلام إلّا تعبّدا … وأدعية لا تتّقى بدروع
وحسبك أن ينجو الظّلوم وخلفه … سهام دعاء من قسيّ ركوع
مريّشة بالهدب من كلّ ساهر … منهلّة أطرافها بدموع
3ـ الاعتداء في الدعاء: قال القرطبّي- رحمه اللّه تعالى-: الاعتداء في الدّعاء علي وجوه منها: الجهر الكثير والصّياح، ومنها أن يدعو الإنسان لنفسه (بما لا يستحقّ) بأن تكون له منزلة نبيّ، أو يدعو في محال، أو أن يدعو طالبا معصية، أو أن يدعو بما ليس في الكتاب والسّنّة.
وقال ابن تيميّة- رحمه اللّه تعالى-: الاعتداء في الدّعاء يكون تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرّمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله اللّه كأن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو بأن يرفع عنه منازل البشريّة من الحاجة إلى الطّعام والشّراب ونحو ذلك ممّا فيه اعتداء لا يحبّه اللّه، ولا يحبّ سائله، وأعظم المعتدين عدوانا هم الّذين يدعون معه غيره، إذ إنّ أعظم العدوان الشّرك، ومن العدوان أن يدعوه غير متضرّع، ومن لم يسأل مسألة مسكين متضرّع خائف فهو معتد.
ومن الاعتداء أيضا أن يعبده بما لم يشرع، أو يثني عليه بما لم يثن على نفسه، ولا أذن فيه، فإنّ هذا اعتداء في دعائه الّذي هو ثناء وعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطّلب.
الخطبة الثانية
يعاني الشعب السوري من النظام البعثي القمعي منذ نصف قرن، وخلال الأشهر الخمسة الماضية ظهر للعالم كله بشاعة الإجرام الذي يقوم به نظام بشار الأسد ضد الشعب الأعزل المطالب بحريته وكرامته، فشملت الجرائم إزهاق الأرواح والتمثيل بالقتلى والإجهاز على الجرحى، كما دمرت البيوت واقتحمت حرماتها وقصفت المساجد ودنست قدسيتها، إضافة إلى الحصار والتجويع بقطع الكهرباء والماء والاتصالات، ولم يستثن من ذلك شيخ مسن ولا امرأة مصونة ولا طفل برئ، ومن ثم فإن مساندة هؤلاء المظلومين واجب شرعي ومبدأ إنساني بحسب الاستطاعة