خطبة الجمعة 23/12/2005 – أعياد الكفار
خطبة يوم الجمعة 21/11/1426 الموافق 23/12/2005
1ـ عباد الله: دينكم الذي تدينون به قد أكمله ربكم، وبه أتم نعمته عليكم، ورضيه لكم شرعة ومنهجًا وسلوكًا؛ فقال سبحانه )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( ومن تأمل في أحداث الدنيا ثبت له يقيناً أن من تمسك بهذا الدين أعزه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تركه ورغب عنه قصمه الله.
2ـ عباد الله: إن المسلم الحق لا يستهويه الشيطان، ولا يلهث وراء كل ناعِق، بل هو ثابت على سلوك طريق الهدى وإن قلّ سالكوه، والنَّأي عن طريق الضلال وإن كثر الهالكون فيه. يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم {لا تكونوا إمَّعَة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا} رواه الترمذي وحسنه. والمسلم الحق لا يتشبه بمن غضب الله عليهم ولعنهم، ولا يتبع أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل؛ لأنه يقرأ في القرآن قوله تعالى )ولا تكونوا من المشركين $ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون( وقوله تعالى )ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم( وقوله تعالى )لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم $ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون $ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون( وقوله تعالى )لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون(
3ـ يحتفل النصارى بيوم ولادة عيسى ويظهرون الأفراح والسرور ويعطلون الدوائر والأعمال، يهنئ بعضهم بعضاً، ويتزاورون ويظهرون شعار دينهم، وقد قلدهم وشابههم كثير من جهال المسلمين وذوي الرئاسة والسياسة. ففي عادة كثير من المسلمين في هذا العيد أنهم يعطلون الدوائر الحكومية والشركات تعظيماً لهذا اليوم، احتراماً له ويزورون أصدقاءهم النصارى ويرسلون لمن كان منهم بعيداً بطاقات تهنئة. والرؤساء والملوك يرسلون برقيات تهنئة للدول التي تزعم أنها تدين بالمسيحية. والسؤال أيها المسلمون: ما علاقتنا نحن المسلمين بعيد ميلاد المسيح عليه السلام؟! لو كنا متخذين عيدًا لميلاد أحد من البشر لكان رسولنا وسيدنا وقدوتنا محمد e هو الأولى والأحق، لكننا أمة محكومة بشرع الله، لا نحيد عنه، ولا نشرع لأنفسنا ما لم يأذن به الله، ولا عيد في الإسلام إلا العيدان ويوم الجمعة، وما سواها فبدعة، وكل بدعة ضلالة.إننا ـ معشر المسلمين ـ لا يربطنا بعيسى عليه السلام إلا إيماننا بأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنه لم يقتل ولم يصلب بل رفعه الله إليه، وأنه سينزل في آخر الزمان كما قال {والذي نفسي بيده، ليُوشِكن أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عدلاً، فيَكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها} أخرجه البخاري ومسلم.
4ـ أيها المسلمون: لو سأل كل منا نفسه سؤالاً: هل كان الآباء والأجداد يحتفلون بمثل هذه الأعياد؟ أو كانوا يجدون لها في قلوبهم ذكراً أو منزلة؟ هل كانوا يهتمون بها أو يعدون العدة لاستقبالها؟ اللهم لا، ولكن قد نبتت نابتةٌ في بلادنا في السنوات المتأخِّرة ذليلةٌ مستعبَدة، ديدنُها التشبُّه والاستحذاء، ووجدت في بعض أهل الرأي وبعض الضِّعاف من المنتسبين إلى العلم ممن يهوِّن أمر التشبه بالكفار في اللباس والهيئات والمظهر والخُلق؛ حتى صاروا مسخًا في الأمة، فترى الاستئناس بأحوال الأعداء، والرضا عن مسالكهم، وازدراءَ المسلمين وتنقصَهم، والتندُّر بالجميل من عوائدهم ومحافظتهم واحتشامهم في سلوكهم ولباسهم. ومن انسلخ من عوائد أهل دينه فقد أبرَز شأنَ أعدائه، وقدّم أمرَهم على أمر المسلمين. إن كثيرًا منهم يعيشون تشبُّهًا يقود إلى الذوبان والانحلال والتهتُّك، بل يقود إلى الفسوق والفجور والحرية المتفلِّتة والاختلاط المحرم، وقبول التبرج والسفور، وإبداء الزينة المحرمة. نعم، بسبب الغفلة عن هذه القضية ضعُفت معنوياتُ كثير من المسلمين، وتضعضعت أحوالهم، وتبلبلت أفكارُهم، ونشأت فيهم النظرياتُ الهدَّامة والأفكار المنحرفة في عقولهم وديارهم، وشبَّ فيهم فئاتٌ لا تعرف للدين منزلة، ولا تعترف للفضيلة بوزن. مظاهرُ التغريب وبواطن الانحراف في الأخلاق والعادات، والإفراط في أنواع من الفسوق والفجور، وانتشارُ الجرائم مما لم يكن معهودًا في أوساط المسلمين، تُرى ما الذي أصاب فئاتٍ من أبناء الأمة فتساقطوا في أحضان الأعداء؟! خفةٌ في الوزن وضعة في القدْر، فلا دينَ لله أقاموا، ولا أعداؤُهم لهم صدَقوا وأخلصوا، فمهما قدم هؤلاء الضعاف من تنازلات وذابوا في شخصيتهم فلن يجدوا ناصرًا ولن يكسبوا ودًا.
5ـ إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيه، فهم يخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة، ناسين ما يقرره القرآن من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه، ولن يرضُوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم؛ كما قال ربنا سبحانه )ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم( وسذاجة أي سذاجة وغفلة أية غفلة أن نظن أن لنا وإياهم طريقًا واحدًا نسلكه للتمكين للدين أمام الكفار والملحدين، فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين؛ كيف ننسى أن أهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للكفار )هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا( وهم الذين ألّبوا المشركين على المسلمين في المدينة، وكانوا لهم درعًا وردءً، وهم الذين شنوا الحرب الصليبية خلال مائتي عام، وقتلوا آلاف المسلمين في المسجد الأقصى، حتى سالت ميازب المسجد دمًا، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس، وهم الذين شردوا المسلمين في فلسطين، وأحلوا اليهود محلهم، والنصارى هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان؟! كيف ننسى ما فعله النصارى في الجنوب من فتنة وزرع لبذور الشقاق؟ وما يفعلونه في دارفور من زرع الفتنة ومحاولة تأليب المسلمين بعضهم على بعض؟ وما فعلوه في التاريخ القريب في البوسنة وكوسوفا، وأخيرًا ما يفعله نصارى الروس في الشيشان؟! إن الدين الذي نزل على رسول الله e هو الدين الذي ارتضاه الله لنفسه واختاره على الدين كله، والتسامح مع النصارى يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي، أما دعاة التقريب بين الإسلام والمسيحية فإنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم الذي يقرر أن الله لا يقبل دينًا إلا الإسلام، وأن على المسلم أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام، ولا يقبل دونه بديلاً ولا يقبل فيه تعديلاً ولو طفيفًا. )إن الدين عند الله الإسلام( )ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه(
6ـ أيها المسلمون: ألا فاعلموا أنه لا يجوز حضور احتفالات اليهود والنصارى ولا تهنئتهم بها، قال الإمام ابن القيم: “أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك كأن يهنئهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو تهنأ بهذا العيد، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزله أن يهنئه بسجوده للصليب، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه. ويدخل في هذا أيضًا تعظيمهم ومخاطبتهم بالسيد والمولى، وذلك حرام قطعًا، ففي الحديث: {لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن يك سيدًا فقد أسخطتم ربكم } انتهى كلامه رحمه الله. قال شيخ الإسلام: إن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها لسببين: أحدهما: أن فيها مشابهة للكفار، ثانيهما: أنها من البدع، فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر؛ وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب من وجهين: أحدهما: أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات؛ فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد .. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة} وحديث أبي سعيد في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم} قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال: فمَن؟!} وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلُّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم} رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وحسنه الحافظ ابن حجر وصححه الحافظ العراقي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه به، وفي الحديث الآخر: {ليس منا من تشبه بغيرنا} رواه الترمذي. وقد تكاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله {خالفوا المشركين} {خالفوا المجوس} {خالفوا أهل الكتاب} وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال {ما هذان اليومان؟} قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر} فحصر النبي صلى الله عليه وسلم أعياد الإسلام في هذين اليومين ونهى عن غيرهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قوله صلى الله عليه وسلم {إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما} يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله {خيراً منهما} يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية. وأيضاً فقوله لهم {إن الله قد أبدلكم} لما سألهم عن اليومين فأجابوه بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام؛ إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية”.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا}.
7ـ معاشر المسلمين: إن ناساً من أهل الضلالة يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ فيحرضون على مثل هذه الاحتفالات بما يصحبها من مجون وفسق وفساد، وهم حريصون على تمييع كل قضية، وقد علم الناس أجمعون أن هذه الأعياد الكفرية محرمة لبعدها العقدي، وهي كذلك محرمة لما يصحبها من مظاهر التفسخ والخلاعة والصد عن سبيل الله، فلينظر كل امرئ فيما يخلصه بين يدي الله جل جلاله ولا يغرنك أيها المسلم كثرة الضالين؛ فإن الله تعالى يقول )وإن كثيراً من الناس لفاسقون( ويقول )وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله( ويقول )وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( ويقول )وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون( فلا تكن إمعة تقلد غيرك في الفساد وتحتج بكثرة الفاعلين، لا تصحب أسرتك في ذلك اليوم إلى حديقة ولا منتزه، بل اشتغل بما ينفعك من عبادة ربك والإقبال على ما يصلح دنياك وآخرتك تفز وتنجح، وتفلح وتربح.