خطبة الجمعة 25/4/2014 – الأخلاق في الخلافات الزوجية
برمنجهام – خطبة يوم الجمعة 25/6/1435 الموافق 25/4/2014
1ـ فقد مضى معنا الكلام عن منزلة الأخلاق في دين الإسلام وأن العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وأنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وأن الأخلاق الحسنة قاسم مشترك بين النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأن نبينا صلى الله عليه وسـلم قد بلغ الذروة والقمة في الخلق الحسن إيثاراً وزهداً وشجاعة ونجدة وتواضعاً وبسط خلق وتمام أدب وقضاء للحوائج وحلماً واحتمالاً وعفواً عند المقدرة وصبرا وجوداً وكرماً وسخاء وسماحة نفس وحياء وإغضاء عن الزلات والعورات وشفقة ورأفة ورحمة، أسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو
2- ولا بد أيها المسلمون من الاقتداء به صلى الله عليه وسـلم في هذه الأخلاق لننال قربه يوم القيامة، ومن أعظم الأبواب التي نقتدي به فيها حال حصول الخلافات الزوجية؛ فرائعة هي أخلاق الإسلام؛ ونبيلة هي أوامره وتوجيهاته ونصائحه؛ فترى البيت المؤمن الملتزم بتلك الأخلاق وتلك التوجيهات والنصائح سائراً على درب مستقيم؛ تبتعد عنه الشياطين وتكتنفه المودة وتغشاه السكينة؛ وتستقر فيه الأخلاقيات العالية الرفيعة حتى في أشد اللحظات شدة وهي لحظات الخلافات الزوجية التي قد تعصف بالبيوت فتذرها قاعاً صفصفا، وتعصف بالأبناء فتذرهم عالة تائهين .
3ـ ولحظة الخلافات الزوجية لحظة من اللحظات الكاشفة للأخلاق الحقيقية التي يتصف بها الزوجان وهي لحظة مثبتة أو نافية لكل دعاوي الشرف والوفاء والعدل وغيرها مما ادعاه أحد الزوجين أنه يلتزم به من أخلاق وصفات
4ـ الواقع أن كثيراً من الأزواج يبتعد عن الأخلاق الإسلامية أثناء الخلافات الزوجية، وتسيطر عليه مشاعر الغضب أو الرغبة في الانتقام، أو الحرص على المصلحة الشخصية أو غير ذلك، فيكون الناتج صراعاً بلا أخلاق، ونزاعاً قد اتصف بالوحشية واللا آدمية، أو خلافاً قد تنصل من معاني النبل والشرف! فربما انتهت بعض الخلافات الزوجية إلى جرائم كبرى، وربما وصلت إلى هدم للبيوت، أو إلى صراع عائلي واسع النطاق أو إلى أكل الحقوق، ونكران الواجبات، وغير ذلك مما هو معروف وكثير.
4- لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن الرجل إلى زوجته إحسانا، فقال صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله” فجعل ههنا خطاً عريضاً من خطوط العلاقة الزوجية على أساسه يبين مدى أهمية هذه العلاقة ومدى أهمية الإحسان فيها.. وأمر بالاستيصاء بالنساء فقال (استوصوا بالنساء خيرا)، وأمر بألا يسارع الرجل إلى مفارقة زوجته لمجرد عيب فيها رآه، بل ليصبر، فإن فيها أخلاقاً أخرى حسنة، قال صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا أحب منها آخر)
وأمر الزوجة هي الأخرى أن تعظم مقام زوجها وتحترم قوامته، وتحسن إليه، فوصف المرأة الصالحة بأنها (إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته).
وجعل هناك كذلك خطوطا في الخلافات الزوجية:
- فعند الخلاف نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبِّح المرء زوجته، ونهى أن يلطمها على وجهها، ونهى أن يمنعها الطعام والشراب، أو أن يؤذيها في نفسها، أو أن يتسبب لها في أي نوع من أنواع الضرر، بل قال سبحانه وتعالى {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} فسماه الميثاق الغليظ، وأمر بأن يكون عمل الزوجين في الخلاف سائراً نحو الصلح والتصالح فقال سبحانه {والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح}
- وأمر الزوج إذا ما اغلقت أمامه الأبواب ونشب الخلاف أن يتدرج في العقوبة تدرجاً خفيفاً، من النصح إلى الهجر إلى الضرب الخفيف غير المبرح، هذا إن خاف نشوزا.
- وأمر إذا ما تفاقمت الخلافات أن يسعيا في البحث عن حكم من أهله وحكم من أهلها {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}
هذه خطوط عريضة أصلية في العلاقة الزوجية وفي الخلافات الزوجية، وهناك أخلاقيات يؤمر بها المؤمنون لحظة الخلاف:
- فأول هذه الأخلاقيات هو خلق العدل، فكثير من الرجال يطلب حقه وينسى واجباته، وهذا خلل في مطلب العدل، وكثير من النساء لا ترى في زوجها عند الخلاف إلا كل نقيصة، وتنسى الخير، فتكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء (يكفرن العشير)، فالعدل مطلب أساسي عند الخلاف، ومطلب أخلاقي إسلامي يبنى على أساسه الصلح، وينشأ الحق، ويتم الرضى والتراضي بين الزوجين
- كذلك فخلق كظم الغيظ خلق مطلوب في الخلافات بين الزوجين، فالله عز وجل قد وكل القوامة للرجل وأوكل بها صلاحية التطليق، ولكنه سبحانه لم يعط الرجل أهلية التطليق كي يستخدم ذلك كلما غضب، وكم من بيت تهدم لأجل عدم قدرة الزوج على كظم الغيظ، فكثر تطليقه لزوجته، ومن كظم الغيظ عدم التجرؤ على إيذاء الزوجة، وعدم الإقدام على سبابها أو الانتقاص منها أو تقبيحها.
- ومن أخلاق الخلافات الزوجية أيضاً خلق الوفاء، فليس بمجرد الخلاف بين الزوجين يتناسى أحدهما وفاءه تجاه زوجه، قال سبحانه منبِّهاً إلى هذا الخلق العظيم {ولا تنسوا الفضل بينكم} فالوفاء خلق يعمل عمل الجاذب للفرقاء في لحظة الخلافات، وعمل المطهِّر لما قد يحيك في النفس، فيذكر كل منهما لحظات الفضل، ولحظات المودة، ولحظات العطاء السابقة للخلافات، فتلين قلوبهما؛ ويتراضيا، وينبذا الشيطان.
- ومن أخلاق الخلافات الزوجية في الإسلام خلق العفو، إذ يقول سبحانه وتعالى {وأن تعفو أقرب للتقوى}، فليعف كل صاحب حق من الزوجين عن الآخر، فإن العفو مكرمة، وهو مذيب لكل خلاف، والعفو والوفاء قرينان، فمن كان لديه وفاء سهل عليه العفو.
- ومن أخلاق الخلافات الزوجية أيضا الجود والكرم والعطاء، فعلى الزوج أن يكون معطاء لزوجته حتى لو خالفته، وحتى لو حصل بينهما فراق، فعليه أن يذكر سابق الحسنى، وعليه أن يرعى إن كان بينهما أولاد، أن يحسن إليهم وأن ينفق عليهم، وأن يداوم السؤال عليهم.
- ومن أهم أخلاق الخلافات الزوجية، أن يجعل الزوجان كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نبراساً لهم ومنهاجاً في لحظات الخلاف، ولا يتركا أنفسهما نهباً لقيل وقال، فإن شرع الله كله خير