خطب الجمعة

خطبة الجمعة 8/1/2010 – أسباب زيادة الإيمان

خطبة الجمعة يوم 22/1/1431 الموافق 8/1/2010

1ـ فقد تقرر أن الإيمان نية وقول وعمل، وأنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي؛ وما من عبد يرجو الله واليوم الآخر إلا وهو يأمل أن يزيد إيمانه ويقوى يقينه حتى يدخل في زمرة من مدحهم الله بقوله {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين#  الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون#  والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون#  أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} وبقوله {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون#  الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون # أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا ينجو من فتنة القبر إلا من كان من أهل اليقين؛ فثبت في الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على عائشة وهي تصلي. فقلت: ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام جداً حتى تجلاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنبي؛ فجعلت أصب الماء على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس. فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس؛ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (أما بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا. حتى الجنة والنار. وإنه قد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم قريباً أو مثل فتنة الدجال؛ فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد. هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى؛ فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنا نعلم أنك لتؤمن به. فنم صالحاً. وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت.

2ـ والسؤال أيها المسلمون عباد الله كيف نزداد إيماناً؟ ما هي الوسائل التي تقوي إيماننا؟ إننا في زمان يعز على الإنسان أن يستمسك بإيمانه؛ وإن كثيراً من الناس ليشكو قلق النفس وضيق الصدر وعسر الأمر وضعف الإيمان وفقدان السعادة، إن كثيراً من الناس يجد الطاعات ثقيلة على نفسه، حتى إنه ليؤدي الفرائض ويعجز عما سواها، وإن كثيراً من الناس لا يحاسب نفسه ولا يتدارك قلبه، يا أيها المسلمون إن لزيادة الإيمان أسباباً منها هذه العشرة:

أولاً: معرفة الله جل وعلا بأسمائه والحسنى وصفاته العلى

ومما يدل على ذلك: قول الله عز وجل {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ووجه ذلك أن العلماء أعرف الناس بأسماء الله تعالى وصفاته، فاستحضروها في دعائهم وفي جميع شؤون حياتهم حتى كانوا أخشى الناس، والخشية أثر لقوة الإيمان في قلوبهم، وإلا فالعلم الذي لا يورث هذه الخشية علم مدخول نسأل الله السلامة والعافية.

قال ابن رجب: العلم النافع يدل على أمرين: أحدهما: على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته، ومحبته، ورجاءه والتوكل عليه والرضاء بقضائه والصبر على بلائه، والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعاً ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له، وذل هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيما

ثانياً: طلب العلم الشرعي

ويدل عليه ما تقدم {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فالعلم طريق للخشية التي هي علامة لما وقر في القلب من إيمان وذلك يأتي بالعلم النافع كما تقدم، وأيضاً لما تكلم أحد الناس عن الإمام الزاهد العابد معروف الكرخي رحمه الله في مجلس الإمام أحمد وقال عنه: “إنه قصير العلم” نهره الإمام أحمد وقال: “أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف” ولذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم طريقاً إلى الجنة فقال (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم.

ثالثاً: التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته جل وعلا

ويدل على ذلك قول الله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وقوله تعالى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وقوله {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} فإن العبد إذا تفكر في آيات الله تعالى في هذا الكون عرف عظمة الله تعالى فازداد إيمانه،
قال عامر بن عبد قيس رضي الله عنه (سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون (إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر)

رابعاً: قراءة القرآن وتدبره

ففي قراءته وتلاوته يزداد الإيمان ويدل على ذلك قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} وكذلك تدبره ففيه أعظم النفع لزيادة الإيمان وأما القلوب الغافلة فلا تتدبره، ويدل على ذلك قول الله تعالى {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}

قال ابن القيم رحمه الله: قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن.ا.هــــ

فإذا تدبر العبد آيات الله تعالى وما فيها من وعد ووعيد وجنة ونار والأعمال التي تسوق إليهما زاد إيمانه ويقينه بوعد ربه ووعيده.

خامساً: الإكثار من ذكر الله تعالى

ويدل على ذلك قول الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) رواه البخاري، فذكر الله عز وجل فيه حياة للقلب فيزداد إيمان العبد كلما أكثر من ذكر ربه، ويموت القلب وينقص إيمان العبد كلما كان بعيداً عن ذكر ربه وفي هذا علامة على الغفلة قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال في وصف المنافقين الذين ملئت قلوبهم كفراً وبعداً عن الله تعالى {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} قال أبو الدرداء رضي الله عنه (لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله) وقال عمير بن حبيب: (الإيمان يزيد وينقص. فقيل فما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا ربنا وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسيناه وضيعنا فذلك نقصانه) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء

سادساً: تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى النفس

ويدل على ذلك حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه. قال ابن حجر: قال البيضاوي: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنواناً لكمال الإيمان لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي يبين مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه: فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله.ا.هـ ومن أعظم علامات محبة الله ورسوله تقديم ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وكذا مما يزيد الإيمان الحب في الله، وكراهة الوقوع في الكفر فيبتعد عن كل ما يهوي به إلى ذلك.

سابعاً: حضور مجالس الذكر والحرص عليها

ويدل على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي رضي الله عنه قال: قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم (وما ذاك؟) قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، فقال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) رواه مسلم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحياناً يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون.ا.هــ ويدخل تحت هذا السبب سبب آخر من مقويات الإيمان وهو مصاحبة الأخيار، وتقدم نماذج للصحابة في ذلك، ويدل عليه قول الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، والحديث صححه الحاكم

قال الشاعر:

فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه — فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ

وإياك والفسـاق لا تصحبنهم — فقربهمُ يُعدي وهذا مجَّــربُ

واحذر مؤاخاة الدنيء فإنه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

واختر صديقك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المقارن ينسب

وجانب ذوي الأوزار لا تقربنهم فقربهم يردي وللعرض يسلب

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً إن الكذوب لبئس خلاً يصحب

فإنا رأينا المرء يسرق طبعه من الإلف ثم الشر للناس أغلب

وذر الحقود وإن تقادم عهده فالحقد باق في الصدور مغيب

واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب

وفي المثل (الصاحب ساحب) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان والعكس بالعكس.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد ريحاً خبيثة) ويحذيك أي يعطيك

ثامناً: البعد عن المعاصي

لا شك أن اقتراف المعاصي سبب في نقصان الإيمان والبعد عنها ومدافعتها سبب زيادته فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن من طاعة الله تعالى أن يبتعد الإنسان عن المعاصي، والفتن، فأي عبد أراد أن يعيش قلبه سليماً من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض فليبتعد عنها ولينكرها. ويدل عليه حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه) رواه مسلم، ومرباداً أي مخلوطاً حمرة بسواد، كالكوز مجخيا أي كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه. قال القاضي عياض: ليس تشبيهه بالصفا بياناً لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس.

وهكذا المؤمن كلما كان من الفتن والمعاصي أبعد كان حفاظه على سلامة قلبه وازدياد إيمانه أكثر، وكلما تهاون بالذنوب وتعرض للفتن كلما نقص إيمانه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: غض البصر يورث ثلاث فوائد: حلاوة الإيمان ولذته، نور القلب والفراسة…قوة القلب وثباته وشجاعته.ا.هـــــ

قال ابن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب — وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب —                             وخير لنفسك عصيانها

تاسعاً: الإكثار من النوافل والطاعات

فكلما أكثر العبد من النوافل نال ثمرات كثيرة منها محبة الله له ومعيته فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي الله جل وعلا، وأيضاً يكون مجاب الدعوة، وإذا نال العبد هذه الثمرات زاد إيمانه لأنه نال محبة الله ورضاه عنه مع ما في النوافل من ثمرات.

ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (وما يزال عبدي يقترب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) فليجتهد العبد ويكثر من النوافل في الصيام والصلاة والذكر وسائر أعمال البر .

عاشراً: سؤال الله تعالى زيادة الإيمان وتجديده

ويدل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الطبراني عن ابن عمر وقال الهيثمي: إسناده حسن. ورواه الحاكم عن ابن عمرو وقال: رواته ثقات. وأقره الذهبي وحسنه الألباني في الصحيحة، وقد كان السلف يحرصون على هذا الجانب فيسألون الله عز وجل زيادة الإيمان، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول (اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً)

ما تقدم من الأسباب العشرة هي من أهم أسباب زيادة الإيمان، وهناك أسباب أخرى: كالأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وزيارة القبور، وتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والقراءة في سير السلف، الاهتمام بأعمال القلوب كالخوف والرجاء والمحبة والتوكل وغيرها، والدعوة إلى الله تعالى، والتقلل من الدنيا ومن المباحات والفضول في الطعام والكلام والنظر، وتنويع العبادة، وتذكر منازل الآخرة، ومناجاة الله تعالى والانكسار بين يديه، وتعظيم حرماته، والولاء والبراء

بناء الجدار الفولاذي بين مصر وغزة

إن الكفرة الفجرة والمنافقين الأشرار ما كفاهم أن يمزقوا جسد الأمة أو يباعدوا بين شعوبها؛ حتى شرعوا في خنق وحصار كل من بقيت في قلبه جذوة إيمان أو شعور بالعزة، فها هي غزة تصب عليها النيران صباً قبل عام من الآن والناس يتفرجون ويصفقون، ثم بعد ذلك تتآمر قوى الصليب مع حكام النفاق لإحكام الحصار وتشديد القبضة على الموحدين المجاهدين؛ حتى إنهم ليشرعون بغير حياء في بناء جدار فولاذي لمنع وصول الغذاء والدواء للمسلمين في غزة

يا أيها الناس: إن الحد الأدنى إن لم نساعد إخواننا في غزة ألا نشارك في تكريس الحصار أو بناء الجدار، كما لا يجوز إمداد العدو بالغاز والحديد والأسمنت بأبخس الأثمان ونفتح الأسواق لمنتجاته بأعلى الأسعار.

إن لإخواننا في غزة حقاً في الحياة الكريمة، وواجب علينا أن نعاملهم بالإخاء الإسلامي الذي يوجب كفالتهم شرعًا، وليس حصارهم قهرًا، وإن لهم حقاً في الجوار الذي يوجب لهم منا غاية الإحسان، ولهم حق بوصفهم أبطالاً ينوبون عن الأمة في ميدان الجهاد والمقاومة، وهذا الحق يوجب تجهيزهم على الأمة عامة ومن جاورهم خاصة.

إن المشاركة في هذا الحصار وبناء الجدار يدخل في الفقه الإسلامي في باب “القتل بالتسبب”، وهو يوجب عند فقهائنا القصاص أو الدية، خاصة إذا كان مع سبق العلم والعمد أن هذا الحصار والجدار سيضاعف قتل النساء والأطفال والرجال، كما أن المشاركة تعني بكل وضوح أننا أذلة على الكافرين أعزة على المؤمنين؛ بما قد يدخلنا في الولاء والنصرة للمحتلين الظالمين، والبراء والخذلان للمؤمنين المجاهدين. {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ^ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ^ يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى