أحكام الصلاة

صلاة الخوف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فقد تواترت النصوص الآمرة بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها التي شرعها الله عز وجل وعدم الاشتغال بشيء عنها؛ فقال سبحانه )فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا( وقال سبحانه )وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين( وقال سبحانه )أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا(

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال {أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها} رواه الترمذي والحاكم وصححاه، وأصله في الصحيحين. قال الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام: 1/389: الحديث أخرجه البخاري عن ابن مسعود بلفظ {سألت النبي r أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها} وليس فيه لفظ: أول. قال رحمه الله: فالحديث دل على أفضلية الصلاة في أول وقتها على كل عمل من الأعمال، كما هو ظاهر التعريف للأعمال باللام، وقد عورض بحديث {أفضل الأعمال إيمان بالله} ولا يخفى أنه معلوم أن المراد من الأعمال في حديث ابن مسعود ما عدا الإيمان، فإنه إنما سأل عن أفضل أعمال أهل الإيمان، فمراده غير الإيمان. قال ابن دقيق العيد: الأعمال هنا: أي في حديث ابن مسعود محمولة على البدنية، فلا تتناول أعمال القلوب، فلا تعارض حديث أبي هريرة رضي الله عنه {أفضل الأعمال الإيمان بالله جل جلاله} ولكنها قد وردت أحاديث أخر في أنواع من أعمال البر بأنها أفضل الأعمال، فهي التي تعارض حديث الباب ظاهرا. وقد أجيب : بأنه صلى الله عليه وسلم أخبر كل مخاطب بما هو أليق به، وهو به أقوم، وإليه أرغب، ونفعه فيه أكثر، فالشجاع أفضل الأعمال في حقه الجهاد، فإنه أفضل من تخليه للعبادة، والغني أفضل الأعمال في حقه الصدقة وغير ذلك: أو أن كلمة “من” مقدرة؛ والمراد من أفضل الأعمال، أو كلمة أفضل لم يرد بها الزيادة، بل الفضل المطلق

وأوقات الصلوات قد وردت مفصلة فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال له: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب فقال قم فصله فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، أو قال: سطع الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جدا، فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت} رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه. وقال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت

وبلغت عناية الشريعة بأداء الصلاة في أوقاتها أن شرعت للمسلمين ـ حال القتال واحتدام المعركة صلاة تسمى صلاة الخوف؛ فقال سبحانه )وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبينا + وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معكم وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معكم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهينا(

وفي صفة صلاة الخوف روايات ثابتة؛ فعن صالح بن خوات رضي الله عنهعمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة من أصحابه صلى الله عليه وسلم صفت معه وطائفة وجاه العدو؛ فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم} متفق عليه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال {غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو، وركع بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلَّم فقام كل واحد منهم، فركع ركعة، وسجد سجدتين} متفق عليه واللفظ للبخاري

فإذا كانت الشريعة المطهرة لم تبح للمقاتلين تأخير الصلاة عن وقتها فكيف بغيرهم؟ لا شك أن ذلك لا يجوز في دين الله تعالى، بل الواجب على من بسط الله يده من قائد أو مسئول أن يحث جنوده ومن ولاه الله أمرهم على الإتيان بالصلاة في أوقاتها التي شرعها الله عز وجل، وليكن قدوة لهم في ذلك؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام {ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى