أحكام الجنائز

نبش قبر غير المسلم من مقابر المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فالأصل أن يدفن المسلم في مقابر المسلمين؛ وعلى هذا جرى العمل منذ عهد النبي صلى الله عليه وسـلم وإلى يوم الناس هذا، ولا يجوز دفنه في مقابر المشركين، حيث كان للمسلمين مقبرتهم ولغير المسلمين مقبرتهم، ولزيارة مقبرة المسلمين آدابها من الدعاء لهم والسلام عليهم حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسـلم أنه كان يقول: “السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية”. وأمرنا صلى الله عليه وسـلم إذا مررنا بمقابر المشركين أن نبشرهم بالنار؛حيث روى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال لأعرابي “حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ, فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ, قَالَ: فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، وَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ تَعَبًا، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلاَّ بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ”

 كما أن دفن غير المسلم في مقابر المسلمين يفضي إلى أذية أهل القبور بعذاب ذلك المشرك؛ لأنه عذاب دائم غير منقطع قال تعالى {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.

ولذلك نص العلماء على أنه لو ماتت امرأة ذمية وفي بطنها جنين من مسلم أنها تدفن بين مقابر المسلمين والمشركين أو في فلاة من الأرض أو في مقابر المسلمين وكأنها صندوق للجنين؛ رعاية لحق الجنين المسلم؛ لئلا يتأذى بعذاب المشركين لو دفن بينهم، ورعاية لحق المسلمين الموتى لئلا يتأذوا بعذاب تلك المرأة الكافرة.

وإذا دفن غير المسلم في مقابر المسلمين فإن الواجب نبشه ورده إلى مقبرة أهل ملته إن أمكن ذلك بغير مفسدة أكبر، وكذلك الحال في المسلم الذي دفن بين قوم كفار؛ لأن نبش القبر جائز إذا وجد السبب الموجب أو المبيح لذلك؛ استدلالاً بفعل النبي صلى الله عليه وسـلم حين أخرج عبد الله بن سلول من لحده وتفل في فمه من ريقه الشريف وصلى عليه رجاء أن يرحمه ربه وذلك قبل نزول قوله تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله}

والأصل أن الميت إذا وضع في قبره فقد تبوأ منزلاً وسبق إليه فهو حبس عليه ليس لأحد التعرض له، ولا التصرف فيه، ولأن النبش قد يؤدي إلى كسر عظم الميت وامتهانه. وقد قال النبي “كسر عظم الميت ككسره حياً” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. هذا هو الحكم المقرر عند أئمة أهل العلم، لكنهم قرروا كذلك أنه يجوز نبش قبر الميت وإخراجه منه إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو مصلحة إسلامية راجحة يقررها أهل العلم.

وقد سبق إلى القول بذلك إمام من أئمة أهل السنة وهو أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، في المغني لابن قدامة رحمه الله: وسئل أحمد عن الميت يُخرج من قبره إلى غيره فقال: إذا كان شيء يؤذيه، قد حُوِّل طلحة وحُوِّلت عائشة، وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة. فقال: قد نبش معاذ امرأته، وقد كانت كفنت في خَلَقَيْن فكفَّنها، ولم ير أبو عبد الله بأساً أن يحوَّلوا.

وعن جابر رضي الله عنه قال: دُفن مع أبي رجل، فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة}رواه البخاري والنسائي. قال الشوكاني رحمه الله: فيه دليل على أنه يجوز نبش الميت لأمر يتعلق بالحي. والعلم عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى