خطبة يوم الجمعة 11/1/1440 الموافق 21/9/2018
{الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون، وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} وأشهد ألا إله إلا الله {أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. أما بعد
1ـ فقد وفَّق الله من شاء من عباده المؤمنين لصيام يوم أمس طلباً للجائزة الكبرى التي بشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسـلم حين قال (صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية) وتأكيداً لإيماننا معشر المسلمين برسل الله كافة؛ حين نتلو بالليل والنهار {لا نفرق بين أحد من رسله} بل نعتقد يقيناً أن الإيمان ببعضهم وتكذيب بعضهم هو عين الكفر، وقد قال جل من قائل {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً أليما} فنحن أولى بموسى وعيسى وجميع النبيين ممن يدَّعون أنهم أتباعهم {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}
- وإننا حين نحتفل بنجاة موسى عليه السلام وقومه وهلاك فرعون وقومه إنما نعلن براءة دين الإسلام من كل طغيان، وأن البشر جميعاً عبيد لرب واحد ليس في الكون إله سواه، فهو الخالق الرازق، وهو المحيي المميت، وهو الملك القدوس، وهو الحكيم العليم، وهو اللطيف الخبير، وهو المؤمن المهيمن، لا إله إلا هو
يا من يرى ما في الضمير ويسمع … أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها … يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن … امنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة … فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة … فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه … إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصيا … الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبي وآله … خير الأنام ومن به يتشفع
الله جل جلالـه هو المقصود في كل حاجة، وهو المراد لكل شدة، وهو السامع لكل شكوى، وهو الكاشف لكل بلوى، وهو الذي يجيب المضطر ويكشف الضر
إذا عرضت لي في زمانيَ حاجةٌ وقد أشكلت فيها عليَّ المقاصدُ
وقفت بباب الله وقفةَ ضارعٍ وقلت: إلهي إنني لك قاصـــــــــــــــــــــدُ
ولست تراني واقفاً عند باب مَنْ يقول فتاهُ: سيديْ اليومَ راقدُ
- إن المتأمل في سيرة عدو الله فرعون وما ذكره ربنا جل جلالـه في القرآن عنه يجد أن الطغيان الذي تعاني منه البشرية حين يزاحم بعض بني آدم المساكين سيدهم في ربوبيته إنما يقوم على أركان خمسة:
أولها: الحاكم الطاغية الجبار الظالم الذي يقول للناس بلسان حاله أو مقاله {أنا ربكم الأعلى} ويقول لهم {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} ويقول لهم {ما علمت لكم من إله غيري}
ثانيها: الوزير الفاسد المتسلط المتملق الذي يزين للحاكم أنه قادر على إجابة كل ما يطلب وتحقيق كل ما يريد، وقد تمثل ذلك في هامان الذي قال له فرعون {يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}
ثالثها: رجل الأعمال صاحب المال الفاسد الذي يرى ثروته وما هو فيه نعمة من ذلك الجبار الطاغية، وفي الوقت نفسه يتكبر على المساكين الناصحين ويقول لهم {إنما أوتيته على علم عندي}
رابعها: رجل الدين الذي يشتري بآيات الله ثمناً قليلا، ويجعل علمه مطية يركبها الطواغيت يلعق أحذيتهم ويتبع آثارهم ويجر ذيله خلفهم حسيرا كسيرا، ولسان حاله أو مقاله {أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين} وإذا حلف فإنه يحلف بعزة سيده وحياة سيده ورأس سيده، ولا يرجو إلا رضاه ولا يخاف إلا غضبه
خامسها: رجل الإعلام المنافق الكذاب الذي لا يظهر إلا وجهاً من الحقيقة ويخفي ما سواه، وقد تمثل ذلك في الحاشرين الذين أرسلهم فرعون ليجمعوا الناس لميقات يوم معلوم، وكان من دعايتهم المضللة قولهم {هل أنتم مجتمعون؟ لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}