1ـ الإجماع في اصطلاح الأصوليين اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر ما بعد عصره صلى الله عليه وسلم على أمر شرعي. والمراد بالأمر الشرعي: ما لا يُدرك لولا خطاب الشارع، سواء أكان قولاً أم فعلاً أم اعتقاداً أم تقريراً
2ـ الإجماع حجة قطعية على الصحيح، وإنما يكون قطعياً حيث اتفق المعتبرون على أنه إجماع، لا حيث اختلفوا، كما في الإجماع السكوتي وما ندر مخالفه
3ـ يحتج بالإجماع على الأمور الدينية التي لا تتوقف حجية الإجماع عليها، سواء أكانت اعتقادية كنفي الشريك عن الله تعالى، أو عملية كالعبادات والمعاملات، وقيل: لا أثر للإجماع في العقليات، فإن المعتبر فيها الأدلة القاطعة، فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق، ولم يعضدها وفاق
4ـ لا بد للإجماع من مستند، نص أو قياس، وقد يكون النص أو القياس خفياً؛ فإذا أجمع على مقتضاه سقط البحث عنه، وحرمت مخالفته مع عدم العلم به، ويقطع بحكمه وإن كان ظنياً
5ـ قيل: يكفر منكر حكم الإجماع القطعي، وفصل بعض الأصوليين بين ما كان من ضروريات دين الإسلام، وهو ما يعرفه الخواص والعوام، من غير قبول للتشكيك، كوجوب الصلاة والصوم، وحرمة الزنا والخمر، فيكفر منكره، وبين ما سوى ذلك، فلا يكفر منكره، كالإجماع على بعض دقائق علم المواريث التي قد تخفى على العوام. وفرَّق فخر الإسلام بين الإجماع القطعي من إجماع الصحابة نصاً؛ كإجماعهم على قتال مانعي الزكاة؛ أو مع سكوت بعضهم؛ فيكفر منكره، وبين إجماع غيرهم فيضلَّل
6ـ الإجماع لا يَنسخ ولا يُنسخ به عند الجمهور؛ لأن الإجماع لا يكون إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والنسخ لا يكون بعد موته، ولا ينسخ الإجماع الإجماع؛ وإذا جاء الإجماع مخالفاً لشيء من النصوص استدللنا على أن ذلك النص منسوخ. فيكون الإجماع دليل النسخ وليس هو الناسخ
7ـ رتبة الإجماع بين الأدلة: بنى بعض الأصوليين على المسألة السابقة تقديم الإجماع على غيره. قال الغزالي: “يجب على المجتهد في كل مسألة أن يرد نظره إلى النفي الأصلي قبل ورود الشرع؛ ثم يبحث عن الأدلة السمعية؛ فينظر أول شيء في الإجماع؛ فإن وجد في المسألة إجماعاً؛ ترك النظر في الكتاب والسنة؛ فإنهما يقبلان النسخ؛ والإجماع لا يقبله؛ فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة دليل قاطع على النسخ؛ إذ لا تجتمع الأمة على الخطأ”. وقد حرر ذلك ابن تيمية فقال “كل من عارض نصاً بإجماع؛ وادعى نسخه؛ من غير نص يعارض ذلك النص؛ فإنه مخطئ في ذلك؛ فإن النصوص لم ينسخ منها شيء إلا بنص باق محفوظ لدى الأمة” وفي موضع آخر قال “لا ريب أنه إذا ثبت الإجماع كان دليلاً على أنه منسوخ؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة؛ ولكن لا يعرف إجماع على ترك نص إلا وقد عرف النص الناسخ له؛ ولهذا كان أكثر من يدعي نسخ النصوص بما يدعيه من الإجماع إذا حقق الأمر عليه؛ لم يكن الإجماع الذي ادعاه صحيحاً؛ بل غايته أنه لم يعرف فيه نزاعا”
8ـ قال قوم: لو تصور إجماعهم فمن الذي يطلع عليهم مع تفرقهم في الأقطار؟ فنقول: يتصور معرفة ذلك بمشافهتهم إن كانوا عدداً يمكن لقاؤهم؛ وإن لم يمكن عرف مذهب قوم بالمشافهة ومذهب الآخرين بأخبار التواتر عنهم كما عرفنا أن مذهب جميع أصحاب الشافعي منع قتل المسلم بالذمي وبطلان النكاح بلا ولي، ومذهب جميع النصارى التثليث، ومذهب جميع المجوس التثنية. فإن قيل: مذهب أصحاب الشافعي وأبي حنيفة مستند إلى قائل واحد وهو الشافعي وأبو حنيفة، وقول الواحد يمكن أن يعلم، وكذلك مذهب النصارى يستند إلى عيسى عليه السلام أما قول جماعة لا ينحصرون كيف يعلم؟ قلنا: وقول أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أمور الدين يستند إلى ما فهموه من محمد صلى الله عليه وسلم وسمعوه منه، ثم إذا انحصر أهل الحل والعقد فكما يمكن أن يعلم قول واحد أمكن أن يعلم قول الثاني إلى العشرة والعشرين. فإن قيل: لعل أحداً منهم في أسر الكفار وبلاد الروم. قلنا: تجب مراجعته. ومذهب الأسير ينقل كمذهب غيره وتمكن معرفته؛ فمن شك في موافقته للآخرين لم يكن متحققاً للإجماع. فإن قيل: فلو عرف مذهبه ربما يرجع عنه بعده. قلنا: لا أثر لرجوعه بعد انعقاد الإجماع؛ فإنه يكون محجوجاً به، ولا يتصور رجوع جميعهم إذ يصير أحد الإجماعين خطأ وذلك ممتنع بدليل السمع.
9ـ قد أجمع المسلمون من قديم في باب العقائد على ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن الملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، وعلى وجود الجن، وأجمعوا على كفر اليهود والنصارى، وكفر كل من لم يؤمن ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا في باب العبادات على أعيان الصلوات، وأعداد الركعات، ووجوب صيام رمضان، وفرضية الحج إلى البيت الحرام، وأجمعوا في باب الحلال والحرام على حل لبن الإبل، وحل البيع في الجملة، وأجمعوا على حرمة الخمر والخنزير، وقول الزور، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وأجمعوا في الحديث على وجوب الزكاة في الأموال النقدية وحل شرب الشاي والقهوة والعصير، وأجمعوا على تحريم الخمور بأسمائها الجديدة والمخدرات بأنواعها، وأجمعوا على تحريم الفوائد البنكية المشترطة بنسبة من رأس المال، وأجمعوا على تحريم التأمين على الحياة، والتأمين التجاري، وأجمعوا على أن استخدام الطائرات والسيارات والقطارات والهواتف النقالة والأسلحة الحديثة داخل في عموم قوله تعالى {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه} وأجمعوا على أن الطوائف الضالة من أمثال القاديانية والبهائية والسبأية والجمهوريين طوائف خارجة عن ملة الإسلام لا يحل مناكحتهم ولا موالاتهم، وما زال المسلمون يتناقلون مثل تلك الإجماعات التي لم يخالف فيها أحد ممن يُعتد به
10ـ خرق الإجماع يتمثل في القول بإيمان اليهود والنصارى، والقول بتحريم ختان الإناث جملة وتفصيلا، والقول بحل الفوائد البنكية، والقول بأن جهاد الدفع لا يجوز إلا بإذن الإمام.