1ـ للشائعات خطر عظيم، وأثر بليغ، فالشائعات تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، وكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وحطمت عظماء، وهدمت من وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من علاقات وصداقات، وكم هزمت من جيوش، وأخرت من سير أقوام؟! وللإشاعة قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد، وتوزيعه وبعثرته، فالناس أمامها بين مصدِّق ومكذِّب، ومتردِّد ومتبلبل، فغدا بها المجتمع الواحد والفئة الواحدة فئات عديدة
2ـ ولخطرها وجدنا الدول تهتمُّ بها، والحكام يرقبونها معتبرين إياها مقياس مشاعر الشعب نحو النظام صعوداً أو هبوطاً، وبانين عليها توقعاتهم لأحداث سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، بل إن أعداء الله تعالى يستعملون سلاح الإشاعة في شنِّ الحرب على المسلمين بما يملكون من آلة إعلامية ضخمة تتيح لهم قلب الحقائق وتزوير البينات، ويسمونها تارة: حرب الإرادات – حرب الإشاعات – حرب الأعصاب – حرب الأفكار – حرب الدعاية – الحرب الباردة – الحرب السياسية – الحرب الأيديولوجية – الحرب الثورية – الحرب السيكولوجية – الحرب المعنوية – الاستعمار النفسي – غسيل الدماغ
3ـ وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع} ويقول الإمام مالك {اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع}
4ـ وقد وقع للمسلمين في العهد الأول شائعات كان لها آثار سيئة، منها:
- الشائعة التي انتشرت أن كفار قريش أسلموا، وذلك بعد الهجرة الأولى للحبشة، كان نتيجتها أن رجع عدد من المسلمين إلى مكة، وقبل دخولهم علموا أن الخبر كذب، فدخل منهم من دخل وعاد من عاد، فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم من عذاب قريش ما كان قد فرَّ منه
- وفي معركة أحد عندما أشاع الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل، فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال!
- وأدت الشائعات الكاذبة ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم وأصبحت لهم شوكة، وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته وقطع الماء عنه، وفي واقع الأمر ما كانت تلك التهم إلا أكاذيب زيَّنها شياطين الإنس والجن، من جنس قولهم: إن عثمان ضرب عماراً حتى فتق أمعاءه، وابن مسعود حتى كسر أضلاعه، وابتدع في جمع القرآن وتأليفه، وفي حرق المصاحف، وحمى الحمى، وأجلى أبا ذر إلى الربذة، وأخرج أبا الدرداء من الشام، وردَّ الحكم بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولى معاوية وعبد الله بن عامر بن كريز ومروان بن الحكم، وولى الوليد بن عقبة وهو فاسق ليس من أهل الولاية، وأعطى مروان خمس افريقية، وكان عمر يضرب بالدرة وضرب هو بالعصا، وعلا على درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انحط عنها أبو بكر وعمر، ولم يحضر بدراً وانهزم يوم أحد، وغاب عن بيعة الرضوان، ولم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان الذي أعطى السكين إلى أبي لؤلؤة وحرضه على عمر حتى قتله، وكتب مع عبده على جهله كتاباً إلى ابن أبي سرح في قتل من ذكر فيه
- وحادثة الإفك التي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً، بل هزت المدينة كلها (هذا الحادث قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه، وقلب صفوان بن المعطل…شهراً كاملاً، علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق. وفي هذا الحديث ربى الله المؤمنين تربية شديدة، ووعظهم موعظة عظيمة، وهو الحكيم الخبير
5ـ والذي ينبغي على المسلم عند سماعه مثل هذه الإشاعات والأخبار أن:
- أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم، وهو طلب الدليل الباطني الوجداني، وأن ينزل أخيه المسلم بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}
- أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}
- ألا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحييها إلا من المنافقين {لولا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا}
- أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، كما قال تعالى {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً}
- عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرضا بذلك، كما هو منهج السلف، والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى {واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}، وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله
6ـ أعداء الإسلام يستخدمون الشائعات ضد المسلمين وخاصة علماءهم وقادتهم ودعاتهم، وغالباً ما يستخدمون في شائعاتهم طريقين:
- إنشاء وتلفيق الأكاذيب والاتهامات بالعلماء والدعاة لزعزعة الثقة بهم، والانصراف عنهم، فكم من العلماء والدعاة قيل فيهم أنهم عملاء، وأصحاب مناصب ودنيا؟!!
تصيد الأخطاء العلمية والعملية، ونشرها بين الناس، وإعطائها حجماً كبيراً، فيزيدون شائعات مكذوبة على أمر صغير، كالشيطان الذي يلقي على الكاهن كلمة صحيحة، وتسعاً وتسعين كذبة؟!!