خطبة الجمعة 11/2/1430 الموافق 7/2/2009
- فإن ناساً من المسلمين يريدون لنصر الله أن يتنزل على الآمة عاجلاً دفعة واحدة، وإذا لم يحصل هذا المأمول فإنه يصيبهم يأس عظيم، ولا بد لهؤلاء أن يتذكروا أن الله تعالى لا يخلف الميعاد، وأنه سبحانه هو القائل )ولينصرن الله من ينصره( وهو القائل )كتب الله لأغلبن أنا ورسلي( وهو القائل )إن تنصروا الله ينصركم( وهو القائل )ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ^ إنهم لهم المنصورون ^ وإن جندنا لهم الغالبون( وهو القائل )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد(
- إن حقيقة الانتصار إنما تكون بالثبات على المبدأ وعدم إعطاء الدنية في الدين، ولكم أن تتأملوا أيها المسلمون في قوله تعالى )إلا تنصروه فقد نصره الله( متى نزلت هذه الآية؟ وفيم نزلت؟
- قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعدُ تمامها، ولم تحشد بعدُ طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات؛ فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!!!
- وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله.
- وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
- وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل؛ ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله
- وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعدُ في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى. فأيها في سبيل الله؟ فقال {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}
- قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً، ويذهب وحده هالكاً، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!
- وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً. فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!
- وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار. فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!