خطب الجمعة

أفرى الفرى

خطبة يوم الجمعة 28/4/1443 الموافق 3/12/2021

خطبة يوم الجمعة 28/4/1443 الموافق 3/12/2021

1/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنواتٌ خداعات، يصدَّق فيها الكاذبُ، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل: وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه؛ يتكلم في أمر العامة)

روى البيهقي في الشعب عن الإمام مالك أنه سأله شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن -وهو من أئمة التابعين- فقال له: من السفلة؟ فقال مالك: من أكل بدينه. قال ربيعة: من سفلة السفلة؟ قال: من أصلح دنيا غيره بفساد دينه. قال مالك: فصدَّرني.

2/ إننا في زمان راجت فيه كثير من الأكاذيب التي يريدون أن يلبسوها لباس الحق وهي منه عرية، يريدون أن يروجوها بين المسلمين حتى تعود حقاً مقررا وهيهات وهيهات، ومن ذلك:

أ/ جعلهم الإسلام أنواعاً ومزقاً، فصرنا نسمع عن الإسلام السياسي، الإسلام الحداثي، الإسلام العقلاني، الإسلام المستنير، الإسلام الظلامي، الإسلام الجهادي، الإسلام الرجعي.. الخ؛ فكلها أسماء أطلقها الصهاينة والصليبيون وأذنابهم، وهي أسماء باطلة يكفر بها كل مسلم ولا يعترف بها؛ فإن الإسلام واحد لا ثاني له، وهو ما أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتديَّن به أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وقد أنزل الله عليه في القرآن {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}

ب/ تسميتهم الجهاد إرهابا، وقد علم كل مسلم أن المقاومة المسلحة التي يقوم بها إخواننا في فلسطين هي من قبيل جهاد الدفع الذي أجمعت الأمة على مشروعيته ولا يطعن فيه إلا من طمس الله بصيرته، الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أعلمنا أن هذه الأرض بيت المقدس بلاد الشام ستكون موئلاً لأهل الإيمان، كلما تقارب الزمان، والحديث في مسند الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينما أنا نائم إذا رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فاتبعته ببصري فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتنة سيكون في الشام).

وأصرح من هذا ما رواه أبو يعلى كما في مجمع الزوائد، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسـلم “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” رواه عبد الله بن الإمام أحمد في المسند

ج/ تصويرهم اليهود أمة وادعة وشعباً مسالماً ودولة مثالية، وكل مسلم يعلم أن اليهود أمة غضب الله عليهم ولعنهم وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ، وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بسوء فعالهم؛ فهم الذين يطعنون في ذات الرب سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}، وقال سبحانه في اليهود: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}. وهم الذين كفروا بالله تعالى وكذبوا رسله، وقتلوا الأنبياء والمصلحين، كما قال سبحانه: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. بل إنهم لا يتركون مُصلحاً أو آمراً بالقسط إلا قتلوه وتآمروا عليه، كما أخبر الله عنهم، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

د/ كذبة بلقاء وجهالة جهلاء وضلالة عمياء يروج لها من لا خلاق له من حكام الظلم وعلماء السوء، حين يزعمون أن الإسلام واليهودية والنصرانية تمثل دين إبراهيم عليه السلام، ويريدون أن يدمجوا الكل في ديانة محدثة اختلقوها – ميناً وكذبا – أسموها الديانة الإبراهيمية أو الإبراهامية، ومعاذ الله أن يكون إبراهيم عليه السلام يهودياً أو نصرانيا، بل معاذ الله أن يكون موسى يهودياً أو عيسى نصرانيا، بل الكل مسلمون موحدون حنفاء مخلصون، والتي يراد من ورائها تذويب الفوارق بين المسلمين واليهود والنصارى، بالتلبيس على الناس بزعم أن هذه الديانات مصدرها واحد، وأن أتباعها جميعاً موحدون

ه/ الدعوة إلى (وحدة الأديان): دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب. وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول {قَاتِلُوا الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ويقول جل وعلا {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}

و/ استغلال الدين في تسويغ التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب؛ حيث يتم تصوير ذلك على أنه إحياء لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلحه مع قريش، وسنة صلاح الدين في دخوله القدس، وقد أصر اليهود على منع بث السور التي تتحدث عن اليهود وحذف الآيات التي تفضح اليهود من الكتب الدراسية، وكذلك منع البرامج الدينية التي تتناول قصص اليهود والواردة في القرآن، وأخيراً تأليب الأنظمة على الحركة الإسلامية. وقد سارعت الحكومات المطبِّعة وقامت بمراجعة شاملة لمناهج التعليم وتعديلها لتلائم المرحلة الجديدة، وبالطبع لم يتم شيء من هذا في الجانب اليهودي. إن اليهود مصرون على تحقيق هدفهم مستعينين على ذلك بتواطؤ الحكومات العربية إضافة إلى جدهم وجَلدهم، فمنذ الأيام الأولى لتأسيس (إسرائيل) صرح بن غوريون في كلمة موجهة إلى الطلاب اليهود بقوله: (إن هذه الخارطة ليست خارطة شعبنا، إن لنا خارطة أخرى عليكم – أنتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها – أن تحولوها إلى واقع… يجب أن يتسع شعب (إسرائيل) من النيل إلى الفرات)!

ز/ محاولتهم تسويغ معاهدات الذل والاستسلام التي أسموها معاهدات سلام؛ ويستدلون لذلك بصلح الحديبية أو بعض العهود التي أبرمها المسلمون مع غيرهم في زمن الصحابة ومن بعدهم؛ والصلح فيه تفصيلات كثيرة، لكن يضبط هذه التفصيلات أمران لا بد من تحققهما:

الأول: أن يكون الصلح مما يوافق أحكام الشريعة في أصله وتفصيلاته، فلا يشتمل في أصله أو تفاصيله على ما يضاد أو يناقض الأحكام الشرعية.

الثاني: أن يكون مبناه على ارتياد ما هو في مصلحة الإسلام والمسلمين؛ فالصلح الذي يجلب على المسلمين الضرر، سواء في دينهم أو دنياهم، وكذلك الصلح الذي لا يجلب نفعاً، هو صلح لم يقم على قاعدة ارتياد الأصلح، وكل عهد أو صلح بين المسلمين وبين الكفار لم يحقق هذين الأمرين، أو أحدهما فهو صلح لا يعتد به شرعاً، وهو صلح باطل؛ لأنه أسس على غير التقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى