خطبة يوم الجمعة 24/6/1429 الموافق 27/6/2008
1ـ إن من أعظم أسباب الرزق أيها المسلمون المؤمنون: التوبة إلى الله، والرجوع إليه واستغفاره، قال الله تعالى فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً نعم يوجد فئات كثيرة من المستغفرين ربما يستغفرون كثيراً لكنهم لا يزدادون إلا فقراً، فتسأل؟ الجواب: أنه استغفار اللسان فقط، هذا الاستغفار الذي ربما أنت تستغفره كل يوم وبعد كل صلاة قد يكون نوعاً من العبث، بل إن استغفارك أخي المسلم دون وعي ودون عمل ربما يكون ذنباً يجب عليك أن تقلع منه، ولذلك قال أحدهم: استغفر الله، من استغفر الله من كلمة قلتها لا أدري معناها. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: إي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وسقاكم ربكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع وأدرّ لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها. وممن تفطن لثمرة الاستغفار وأنه من أسباب الرزق نبي الله هود عليه السلام حيث قال: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين .
2ـ ومن أسباب الرزق، بل ومن أعظم أسباب الرزق الشرعية: تقوى الله عز وجل في السر والعلن والخوف منه وامتثال أمره واجتناب نهيه والبعد عن المعاصي قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب قال ابن كثير رحمه الله: أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهةٍ لا يخطر بباله. قال ابن مسعود رضي الله عنه إن أكبر آية في القرآن فرحاً ومن يتق الله يجعل له مخرجاً وقال تبارك وتعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أين نحن أيها المسلمون المؤمنون بنصوص الكتاب والسنة من هذه الآيات، أين الذين يخافون على أرزاقهم إذا تركوا العمل المحرم، أين الذين يظنون أنه لن يتقدم اقتصاد المسلمين إلا إذا ربط باقتصاد الغرب من يهود ونصارى، ألا يقرؤون هذه الآية: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض إنه ليس رزقاً بسيطاً تحصل به الكفاية، كلا، لكنه فتح من الأرض وفتح من السماء، ولو فتح الله باب السماء للعبد والمجتمع والأمة فمن الذي سيمنعه أو يوقفه أو حتى ينقصه ويقلله، فلماذا يربطون اقتصادهم بالكفار؟ ولماذا يخافون من أزمات اقتصادية كما يقال وبين أيدينا إن كنا مسلمين حقاً هذه الآيات الواضحات البينات. قال الله تعالى: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقال Y ((وألّوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا)) وقال سبحانه لئن شكرتم لأزيدنكم(. 3ـ صلة الرحم. نعم صلة الرحم. والمقصود بالرحم هم الأقارب، وهم كل من بينك وبينهم نسب من جهة الولادة سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم. وصلة الرحم معناه تقديم الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية، وسواءً كانوا صغاراً أو كباراً نساءً أو رجالاً يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه)) ولهذا بوب البخاري رحمه الله فقال: باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم. إن بعض العصاة والفساق بل وبعض الفجرة قد تنمو أموالهم بسبب صلة الرحم، اسمع لما رواه ابن حبان في صحيحه بسند جيد عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخره في الآخرة له من قطيعة الرحم، والخيانة، والكذب، وإن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)) 4- الإنفاق في سبيل الله. فمتى ما أنفقت من مالك يا عبد الله كان ذلك سبباً لكثرته، وهذه قاعدة صحيحة في باب الرزق، كلما أخرجت زاد المال لا كما يظن الماديون أنهم ينقص إذا أخرج زكاته أو تصدق قال الله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به وأباحه لكم فهو يخلفكم ويخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله عز وجل بالإنفاق في سبيل الله قال بعد ذلك الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم قال ابن القيم رحمه الله: إن وعد الشيطان لابن آدم بالفقر ليس شفقة عليه وليس نصيحة له، وأما الله عز وجل فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه، إما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الله تبارك وتعالى: ((يا ابن آدم أنفق أنفق عليك)). ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدها: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا)) رواه البخاري من حديث أبي هريرة. ((أنفق يا بلال ولا تخش من ذا العرش إقلالا)) رواه البيهقي. 5- التعبد الحق لله عز وجل وذلك أن تعبد الله بقلب فارغ عما سواه، لا تعبد ربك وأنت تفكر في غيره، روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسدَّ فقرك)) حديث صحيح. والتفرغ المطلوب أيها الأحبة لا يعني ترك كسب الرزق فيصير العبد عالةً على غيره، بل ذلك بأن يفرغ العبد قلبه أثناء العبادة عما سواه، فمثلاً الصلاة، لا تكن من الذين يصلون بأجسادهم وقلوبهم تحلق يميناً وشمالاً. نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا. 6ـ المتابعة بين الحج والعمرة، وذلك بزيارة البيت الحرام كلما سنحت الفرصة سواء كان ذلك لحج أو عمرة، وهذا أمر لا يتفطن له كثيرون؛ أنهم إذا ذهبوا إلى الحج والعمرة كان ذلك سبباً بإذن الله لزيادة الرزق والمال، والله على كل شيء قدير وفضله واسع، وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تابعوا بين الحج والعمرة) وفي رواية (أديموا الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة). |
7- الهجرة في سبيل الله قال الله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} ومعنى مراغماً: أي سبباً لإرغام أنف أعداء الله، وكم من رجال هاجروا فأغاظوا أعداء الله تبارك وتعالى، فيحصل هذا مع السعة، وهو السعة في الرزق كما فسرها حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
8- التوكل على الله حق التوكل، وذلك بأن يعتمد القلب على الله وحده فتُظهِر أيها العبد عجزك واعتمادك على خالقك، روى الإمام أحمد والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانا). 9 ـ أن تنفق أخي المسلم من مالك على طلبة العلم الشرعي، وهذا باب مع كل أسف غفل عنه الكثيرون، فتراه ينفق على فقير محتاج، لكن إذا دعي لمشروع دعوي من أجل طلب علم شرعي، أو حلقات تحفيظ القرآن الذي هو أعظم العلم تراه يحجم ولا يشارك ويقول بأن سد حاجة الفقير أولى، وهذا خطأ أحيانا |