1/ الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لنفسه واختاره على الدين كله ولا يقبل من أحد سواه، {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فالسعيد الموفق من هداه الله إليه ورزقه الاستقامة عليه وختم له به فمات وهو يعتقد مضمونه ويعمل بمقتضاه، والخاسر الشقي من التمس ديناً سواه وعمل بهدي غيره {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} وهو الدين الذي لا ينجو إلا من وافى الله به ولقي الله عليه {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب. فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} وقال سبحانه {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
2/ وهو دين الأنبياء جميعاً كما نطق القرآن بذلك عن نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وسليمان وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكذلك أتباع الأنبياء كبلقيس والسحرة
3/ والإسلام في القرآن يراد به الإخلاص والاستسلام والإقرار والتوحيد والدين، ومن هنا عرفه أهل العلم بأنه: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، هو أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام
4/ أما ما صرنا نسمع عنه في زماننا من تلك المصطلحات المنكرة كقولهم: الإسلام السياسي، الإسلام الحداثي، الإسلام العقلاني، الإسلام المستنير، الإسلام الظلامي، الإسلام الجهادي، الإسلام الرجعي.. الخ؛ فكلها أسماء أطلقها الصهاينة والصليبيون وأذنابهم، وهي أسماء باطلة يكفر بها كل مسلم ولا يعترف بها؛ فإن الإسلام واحد لا ثاني له، وهو ما أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتديَّن به أصحابه رضي الله عنهم أجمعين
5/ الأدلة على شمولية الإسلام من القرآن الكريم كثيرة؛ ففي العهد المكي قبل قيام دولة الإسلام نجد قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً} {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}
واما في العهد المدني بعد أن مكَّن الله تعالى للمسلمين وجعل لهم داراً وأنصاراً، وإماماً يحكِّم شريعة الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} {أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}
6/ وخلاصة الآيات الكريمة جميعاً أن الله تعالى شرع لنا ديناً جامعاً، وألزمنا إلزاماً باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وجعله فوق الكفاية؛ بحيث لا نحتاج إلى استعارة أي حكم أو تشريع من غيره، ولذلك أَلزَمَنا بالدخول في كافة شرائعه، وحرَّم علينا تفرقته وتجزئته تحريماً قطعياً؛ لأن هذا ينافي الإيمان، ويبطل دعوى صاحبه في دخول الإسلام.
وقد استفاض أئمة التفسير في تقرير هذه المعاني عند تفسير هذه الآيات الجامعة، وبيان تفصيلاتها الجزئية، وما يندرج تحتها في العقائد، والأخلاق، والعبادات، والمعاملات: كآيات البيع، والرهن، والنكاح، والطلاق، والعدة، والرضاع، والنفقة، والميراث، والوصية… وغير ذلك من شؤون الحياة جميعاً التي تربو على الإحصاء والعد، بما يجِدُّ فيها من جديد دائم، ينضوي تحت هذا الشمول الجامع لقواعده، وأصوله، وشُعَبِه المتكاثرة.
7/ كثرة شُعب الإيمان في ضوء السُّنة المطهرة؛ والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). وهل المراد هنا العدد بذاته، أم المراد بيان الكثرة وسعتها؟ “لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها ولا تريد التحديد بها” كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فإن أريد تحديد العدد، فإن في كل شعبة عشرات أو مئات من الأحكام التي تندرج تحتها، وبذلك يخرج العدد عن حدود الحصر. وإن أريد التكثير عاد المعنى إلى القصد الأول؛ فيثبت (الشمول) في كل الأحوال… والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
ما زال هذا الشعب المسلم يؤكد ما قاله المخلصون والحادبون مراراً أنه شعب محب لدينه، حريص على إسلامه، نقي في إيمانه، ما خرج محتجاً على شريعة ربه جل جلاله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنما خرج محتجاً على عيش بئيس ووضع مأزوم يرجو الفكاك لغد أفضل ومستقبل أشرق، لكن الذين ركبوا على هذه الاحتجاجات من سراق الثورات وعملاء الاستعمار وسماسرة الغزو الثقافي أرادوها غير ذلك، أرادوها ثورة على الأخلاق والقيم، ثورة على الإيمان والإسلام، ثورة على القرآن والسنة، فعمدوا إلى التشكيك في الثوابت والطعن في المسلمات؛ كحال أسلافهم من أهل الجاهلية {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويبغونها عوجاً أولئك في ضلال بعيد} ومن آخر ذلك ما عمد إليه ذلك القادم من الخارج والذي عيَّنه رئيس الوزراء مديراً عاماً لإدارة المناهج والبحوث بتوصية من وزير التعليم خيانة لله ورسوله من كليهما؛ وقد علما أن الرجل يحمل أفكاراً جاهلية ميتة ويتبع متنبئاً كذاباً ويفوه بما يدل على عته فكري وانحراف عقدي، فخرج على الناس ولما يمض على تعيينه سوى أيام معدودات ليعلن تفجعه وتوجعه من اشتمال المنهج المقرر على طلاب الأساس على عدد مهول من السور، وأنه لا بد من تخفيضها، وكذلك لا بد من حذف الآيات التي ضُمِّنت المناهج الأخرى في العلوم الطبيعية والتجريبية، ثم غرَّه بالله الغرور وظن أنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب وأبنائه من ذلك الكم الهائل من السور القرآنية والتعاليم الإسلامية؛ فأجرى استفتاء ليستطلع رأي الناس؛ فماذا كانت النتيجة؟ كانت نسبة الرافضين لتلك الرؤى الجمهورية العابثة 93% في مقابل 7% من المؤيدين، حتى اضطروا لسحب ذلك الاستطلاع بعد يومين فقط من إطلاقه، وحوَّلوه إلى صفحة المهنيين محاولة منهم لحرف الأمر عن وجهته. وإني سائلٌ ذلك الرجل: أترى بعدما رأيت بعينيك وسمعت بأذنيك أترجع عن غيِّك أم تتمادى؟ إن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، إنك أردت في مؤتمرك الصحفي أن تصور الأمر معركة بينك وبين أئمة المساجد، وأعلنت أنه لا يعنيك أن يعترض عليك أو يهاجمك أئمة المساجد، لكن استبان لك الآن أن المعركة بينك وبين هذا الشعب المسلم الذي رفض أفكارك الكاذبة الخاطئة وأفكار شيخك المتنبئ الكذاب من قبلك، فهل من مدكر؟؟
ومن العجائب والعجائب جمة أن يخرج موكب قبل أيام يقوده شيوعي هالك (مولاهم) ومعه أفراد معدودون يرفعون لافتات تطالب بإغلاق وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وقنوات تابعة للنظام السابق، فيلقاهم وكيل وزارة الإعلام وهو شيوعي مثلهم ليؤيدهم في مطالبهم في تمثيلية بلهاء تضحك منها الثكلى، ولم يوضح لنا أولئك ما هي مواصفات تلك الأجهزة التي تصنف على أنها تابعة للنظام السابق؟ وإن كانت تابعة كما يزعمون فبأي قانون تغلق؟ وتحت أي حجة تصادر؟ كل هذه أسئلة لا جواب عليها إلا في نفوس أولئك!!! حالهم كحال أسيادهم الذين جعلوا الإرهاب لباساً فضفاضاً يلبسونه من شاؤوا ويخلعونه على من كرهوا من أجل مصادرة حريته وإسكات صوته؛ وإذا قيل لهم: ضعوا للإرهاب تعريفاً من أجل أن يتحاكم إليه الجميع فإنهم يأبون ذلك ويرفضون. هكذا هؤلاء يريدون أن يصنعوا مع الصحف ووسائل الإعلام ما صنعوا بالمنظمات التي صادروا أصولها وغلقوا دورها، وبعد ذلك قالوا: سنشكل لجاناً للتحقيق في مخالفاتها!! حكم يتبعه تنفيذ ثم بعد ذلك تحقيق!! هذه هي عدالتهم وهذه هي الحرية عندهم!! ومكلف الأشياء ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار.