خطب الجمعة

أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم

خطبة يوم الجمعة 21/7/1434 الموافق 31/5/2013

خطبة يوم الجمعة 21/7/1434 الموافق 31/5/2013

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون، وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره  على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. أما بعد عباد الله:

1ـ فإن ربنا تبارك وتعالى يوجِّه هذا السؤال إلينا معشر بني الإنسان يقول لنا {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} هذا السؤال لنا جميعاً يا معشر الوعاظ والخطباء، يا معشر المعلِّمين والموجهين، يا أيها الآباء والأمهات، يا أيها الحكام والولاة، يا من تأمرون الناس بالمعروف ولا تفعلونه، يا من تنهون الناس عن المنكر وتأتونه، ما  لكم كيف تحكمون؟ ما بالكم؟ ما الذي دهاكم؟ أما تعلمون أن الله تعالى يمقت على ذلك؟ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما  لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقال شعيب، عليه السلام {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقُت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتًا.

2ـ أيها المسلمون: إن الآية نازلة في بني إسرائيل قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَهُودُ الْمَدِينَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِصِهْرِهِ وَلِذِي قَرَابَتِهِ وَلِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَضَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اثْبُتْ عَلَى الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَمَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ يُرِيدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ فَكَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُونَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: كَانَ الْأَحْبَارُ يَأْمُرُونَ مُقَلِّدِيهِمْ وَأَتْبَاعَهمْ بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاةِ وَكَانُوا يُخَالِفُونَهَا فِي جَحْدِهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ الْأَحْبَارُ يحضون في طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانُوا هُمْ يُوَاقِعُونَ الْمَعَاصِيَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانُوا يَحُضُّونَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَبْخَلُونَ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.ا.هــــ من تفسير القرطبي رحمه الله تعالى.

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: ومع أن هذا النص القرآني كان يواجه ابتداء حالة واقعة من بني إسرائيل، فإنه في إيحائه للنفس البشرية، ولرجال الدين بصفة خاصة، دائم لا يخص قوما دون قوم ولا يعني جيلاً دون جيل. إن آفة رجال الدين – حين يصبح الدين حرفةً وصناعة لا عقيدة حارة دافعة – أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يأمرون بالخير ولا يفعلونه ويدعون إلى البر ويهملونه ويحرفون الكلم عن مواضعه ويؤولون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى، ويجدون فتاوى وتأويلات قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص، ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين، لتبرير أغراض وأهواء لمن يملكون المال أو السلطان! كما كان يفعل أحبار يهود! والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه، هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك لا في الدعاة وحدهم ولكن في الدعوات ذاتها. وهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم، لأنهم يسمعون قولاً جميلا، ويشهدون فعلاً قبيحا فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان ولا يعودون يثقون في الدين بعد ما فقدوا ثقتهم برجال الدين.

إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها. ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق.. عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق.. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها.. إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة.

3ـ يا أيها الرجل المعلم غيره … هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى … كيما يصح به وأنت سقيم

ونراك تصلح بالرشاد عقولنا … أبداً وأنت من الرشاد عديم

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها … فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويهتدى … بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم

إن أباً يأمر ولده بالصلاة وفي الوقت نفسه يراه ولده للصلاة مضيعاً وللشهوات متبعا، أو ينهى ولده عن التدخين مثلاً ولا يكاد ولده يراه إلا والسيجارة بين شفتيه أو أصبعيه، أو يصبح ويمسي والدخان يملأ عليه بيته لن يسمع له نصحاً أو يرعى له توجيهاً، وإن أماً تأمر بنتها بأن تعف نفسها وتصون عرضها ثم ترى من أمها خلاف ما تأمر به فهي خراجة ولاجة، سافرة متبرجة تظهر ما أمر الله بستره لن تجد فيها أسوة حسنة ولا قدوة صالحة، وإن مديراً أو مسئولاً أو رئيساً يأمر مرؤوسيه بتقوى الله وإتقان العمل وعفة الطعمة وطهارة اليد ثم هو لا يفعل؛ كل هذا صد عن سبيل الله. ولما جاء المسلمون بالأسلاب من بلاد فارس بعد ما نصرهم الله عز وجل قال علي لعمر “عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا” وَصَفْتَ التُّقَى حَتَّى كَأَنَّكَ ذُو تُقًى … وَرِيحُ الْخَطَايَا مِنْ ثيابك تسطع

4ـ أيها المسلمون: إن بعض الناس قد يفهم من هذه الآية أنه لا يأمر بالمعروف إلا إذا فعله كله، ولا ينهى عن المنكر إلا إذا تركه كله، وهذا فهم غير صحيح؛ فإن كلاً  من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت: ولكنه -والحالة هذه-مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك. روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تُقْرَض بمقاريض من نار. قال: قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟

عن أبي وائل، قال: قيل لأسامة -وأنا رديفه-: ألا تكلِّم عثمان؟ فقال: إنكم تُرَون أني لا أكلمه إلا أسمعكم. إني لأكلمه فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه، والله لا أقول لرجل إنك خير الناس. وإن كان عليّ أميرًا بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، قالوا: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: “يُجَاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق به أقتابه، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهلُ النار، فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه”. قال أبو العتاهية:

أيها المسلمون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأمر أصحابه بأمر إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه القدوة قولاً وعملا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين يريد أن يقنن أمراً في الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أن آمر بكذا وكذا، والذي نفسي بيده من خالف منكم لأجعلنه نكالاً للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب بهذا يقفل أبواب الفتنة، لأنه يعلم من أين تأتي . .

تحرير أب كرشولا

قد منَّ الله علينا في هذه البلاد حين نصر إخواننا في القوات المسلحة والمجاهدين الأبطال؛ فكان لهم ما أرادوا – بعون الله – من تحرير تلك الأرض التي دنسها الخونة المتمردون، وردهم الله بغيظم لم ينالوا خيراً، ونكصوا على أعقابهم بعدما أرجف المرجفون وأكثر من الشائعات الشانئون؛ وأظهروا الفرح والسرور بما كان من تلك المآسي المروعة التي ارتكبها أولئك الأشقياء من اعتداء على الأبرياء وسفك للدماء؛ فشفى الله صدور قوم مؤمنين وأذهب غيظ قلوبهم، ويتوب الله على من شاء والله عليم حكيم.

إن المطلوب منا معشر المسلمين أولاً: أن نشكر الله على هذه النعمة بأن نستديم طاعته وأن ننصر شريعته وأن نحيي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وثانياً: أن نتعاون في الكف عن الظلم والأخذ على يد السفهاء من هذه الأمة ممن يرومون بها شرا، وثالثاً: أن نحفظ على الناس دينهم؛ فإن كثرة المخربين والمفسدين ممن ينشرون العقائد الباطلة والملل الزائغة يجدون في هذه البلاد مرتعاً خصباً لصد الناس عن دين الله، وقد سمعنا أن دجالاً قد أتى من سوريا التي هي مأرز للجهاد في هذه الأيام، جاء يدعو الناس إلى نحلة فاسدة باطلة يزعم أهلها أنهم يستغنون بالقرآن عن السنة. سبحانك هذا بهتان عظيم!! ينكر الحجاب ويدعو إلى السفور!! من الذي وجه إليه الدعوة؟ ومن الذي جاء به؟ وعلى حساب من كان تأجير القاعات؟ هذه كلها أسئلة أتوجه بها إلى والي الخرطوم والقائمين على أمن المجتمع، ولا بد أن نجد لها جواباً شافيا إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى