فإن الله تعالى تاب على آدم واجتباه وهداه واصطفاه نبياً مكلماً، وقضى بحكمته جل جلاله أن يهبط آدم وزوجه إلى الأرض ومعهما إبليس ليتحقق الابتلاء والاختبار {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي سورة طه في سورة طه: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} قال ابن عباس: فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
لم تكرر ذكر الإهباط في هذه السورة مرتين؟ هل هو تأكيد للإهباط الأول أم كان الإهباط الأول من الجنة إلى سماء الدنيا، والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض؟ الله أعلم بأسرار كتابه
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني يا معشر الثقلين هدى، أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي، {فمن تبع هداي} منكم، بأن آمن برسلي وكتبي، واهتدى بهم، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب، والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}
فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء:
نفي الخوف والحزن والفرق بينهما، أن المكروه إن كان قد مضى، أحدث الحزن، وإن كان منتظرا، أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا، حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه، حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه، من الخوف، والحزن، والضلال، والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه، فكفر به، وكذب بآياته.
وفي هذه الآيات وما أشبهها، انقسام الخلق من الجن والإنس، إلى أهل السعادة، وأهل الشقاوة، وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب، كما أنهم مثلهم، في الأمر والنهي.
إن الهدى الذي نزل من ربنا وحياً في كتبه المنزلة على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم قد تضمن كل خير يرجى في الدنيا والآخرة؛ ومن قرأ القرآن الكريم وجد فيه حديثاً عن الدنيا والآخرة، عن الروح والجسد، حديثاً عن النفس البشرية مبدؤها ومنتهاها، منشؤها ومصيرها، ومن هنا كان الحديث عن العلمانية خداعاً للنفس وتلبيساً على الخلق؛ فلا يستوي أبداً أن يقول قائل: أنا مسلم علماني، فالإسلام والعلمانية ضدان لا يجتمعان ونقيضان لا يلتقيان.
إن ناساً يريدون أن ينقلوا إلى بلاد المسلمين تجربة أوروبا حين نحت الدين عن الحياة، وقسمت الحياة شطرين شطراً لله وشطراً لقيصر؛ فما هي أسباب ظهور العلمانية في أوروبا؟
- تسلط رجال الكنيسة، وجعلهم أمر المغفرة والحرمان بأيديهم؛ حتى أصبحوا أرباباً من دون الله، حتى وصل الحال بالكنيسة أن تبيع صكوك الغفران
- وقوف الكهنة ورجال الكنيسة ضد الفكر والعلم التجريبي
- فقدان المسيحية المحرفة أصلاً لنظام الحياة في السياسة والاقتصاد والحكم والاجتماع وغير ذلك من مناحي الحياة، حيث إن الديانة النصرانية المحرفة لا تتضمن إلا بعض الأخلاق والآداب، وليس فيها نظام شامل للحياة، ولذلك اشتهر عند النصارى مقولة (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)
- تضمن النصرانية دعاوى باطلة لا تستقيم مع العقل والفطرة، مثل التثليث، والخطيئة، والتكفير
وما هي أسباب انتقال العلمانية إلى بلاد المسلمين؟
- الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي والسيطرة عليه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً
- الأقليات غير المسلمة في البلاد كالنصارى واليهود عن طريق استغلال الدعوة إلى القومية وعن طريق الأدب ووسائل الإعلام؛ حيث كان النصارى هم أول من أنشأ الصحف والمجلات
- البعثات التعليمية إلى البلاد الغربية
- المدارس والجامعات الغربية في البلاد الإسلامية
- تقدم الغرب الهائل في مضمار العلم المادي والقوة العسكرية
- تمكن عملاء الغرب والمخدوعين به وأصحاب الاتجاهات والمذاهب المنحرفة من التوجيه