خطب الجمعة

النفاق والمنافقون في سورة البقرة

خطبة يوم الجمعة 8/9/1433 الموافق 27/7/2012

فإن الله عز وجل حدثنا عن صفات عباده المؤمنين في صدر سورة البقرة في خمس آيات، ثم حدثنا عن الكفار في آيتين، ثم أفرد للفريق الثالث وهم المنافقون ثلاث عشرة آية، لم؟ لأنهم أعظم خطراً من الكفار {هم العدو فاحذرهم} الكافر قد أظهر عداوته وبدا شنآنه أما المنافق فهو من بني جلدتنا ويتحدث بلساننا، ويخالطنا في مجالسنا ويطلع على أسرارنا، فخطورته دونها كل خطورة؛ ولذلك ما تكاد سورة من سور القرآن المدني تخلو من حديث عن النفاق وأهله، بل في القرآن سورة كاملة تسمى سورة المنافقون، فما هو النفاق؟ وما حديث القرآن عنه؟

تعريف النفاق في الاصطلاح الشرعي: فهو أن يكون كافراً بقلبه ويظهر للناس أنه مسلم بقوله أو بفعله. قال ابن رجب رحمه الله: النفاق الأكبر وهو: أن يظهر الإنسان الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه.  فيطلق النفاق على الدخول في الدين، من باب أو بوجه التلفظ بالشهادتين مثلا والخروج منه من باب أو بوجه آخر.

وهذا النفاق نوعان: نفاق أكبر وهو نفاق الاعتقاد، ونفاق أصغر وهو النفاق العملي.

فالنفاق الأكبر : (أو نفاق الاعتقاد) وهو أن يظهر المرء للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر..، فيعصم بذلك دمه وماله وعرضه ويتخلص من القتل والعذاب العاجل، ويصبح ظاهراً في عداد المسلمين، ويحسب على أنه منهم، وهو في حقيقة أمره، منسلخ من الدين كله، مكذب به، لا يؤمن بالله، ولا بكلامه الذي أنزله على رسوله، فليس معه من الإيمان شيء، وهذا النفاق يوجب لصاحبه الخلود في النار، بل هو في الدرك الأسفل منها، وهو أعظم كفراً من صاحب الكفر الواضح المستبين  {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاْ} {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }

النفاق الأصغر: (النفاق العملي) وهو ترك المحافظة على أمور الدين سراً، ومراعاتها علناً. قال ابن رجب: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك. وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النوع في أحاديث كثيرة كقوله «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» وقوله «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» فهذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ولكنه ليس على كفرهم اعتقاداً وباطناً.

وقد يجتمع نفاق العمل مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية.

 قال الإمام الذهبي عقب حديث «أربع من كن فيه»: وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب، كما أن الإيمان ذو شعب ويزيد وينقص، فشعب النفاق كلها من الكذب والخيانة والجور والغدر والرياء وطلب العلم ليقال عالم، وحب الرئاسة والمشيخة، وموادة الفجار والنصارى فمن ارتكبها كلها وكان في قلبه غلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، أو حرج من قضاياه، أو يصوم غير محتسب أو يجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح ويميل إليهم، فهذا لا تَرْتَبْ في أنه كامل النفاق، وأنه في الدرك الأسفل من النار، فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال فله قسط من المقت حتى يدعها ويتوب منها.

يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر، برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقاً، كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي: أنه مرَّ بأبي بكر وهو يبكي، فقال: مالك؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا رجعنا، عافسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فالله إنا لكذلك، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي، لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة).

ومما ورد في هذا المعنى أي خوف الصحابة من النفاق ما قاله ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. يقول الحافظ ابن حجر في تعليقه على هذا الأثر: والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة، فهؤلاء ممن سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة أجلَّ من هؤلاء كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشعر به مما يخالف الإخلاص ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم.

حديث القرآن عن المنافقين

  1. ساعون في الشر والفساد {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف}
  2. الكذب منهجهم {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}
  3. الخداع طريقهم {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم}
  4. موعودون بالنار {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم} {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} {بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما}
  5. فجار فساق {إن المنافقين هم الفاسقون}
  6. جهال أغمار {ولكن المنافقين لا يفقهون} {ولكن المنافقين لا يعلمون}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى