حين يقول اليهودي إيدي كوهين: طاعة ولاة الأمر اليهود في دولة إسرائيل واجب على كل مسلم.. هم موحدون عابدون لله كتابيون “لم يأتوا بكفر بواح” ولم يمنعوا الصلاة في المساجد.. وهذان فقط شرطا كافة السلف الصالح بالإجماع لطاعة أولياء الأمر.. طاعتنا فرض عين على المسلمين إذاً…
حينها ندرك أن أزمة عظيمة يمر بها المسلمون تختلف عما سبقها من أزمات، وأن تبديلا لدين الله يجري يستعان فيه بحكام الجور وأئمة السوء وعلماء الضلالة، الصادين عن سبيل الله المبدلين لشرع الله القائلين بأهوائهم، البائعين دينهم بدنيا غيرهم
1/ كانت أعظم أزمة مرت بالمسلمين هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسـلم؛ وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات حقاً فكيف الحياة بدونه؟ ووراء من يصلون؟ وإلى نصح من ينصتون؟ من يعلمهم؟ ومن يربيهم؟ ومن يبتسم في وجوههم؟ ومن يرفق بهم؟ ومن يأخذ بأيديهم؟ إنها كارثة وأي كارثة؟ وأظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم كل شيء فيها، ليس الصحابة فقط بل نخيل المدينة وديارها وطرقها وطيورها ودوابها، فإذا كان جذع النخلة قد حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه ليخطب من فوق المنبر بدلاً منه حتى سمع الصحابة لجذع النخلة أنيناً، وحتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده على الجذع حتى سكن، إذا كان الجذع فعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم فارقه إلى منبر يبعد عنه خطوات معدودات فكيف بفراق لا رجعة فيه إلى يوم القيامة؟ فالصحابة ماذا يفعلون؟ أتطيب نفوسهم أن يهيلوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد تقطعت قلوب الصحابة، وتمزقت نفوسهم، وتحطمت مشاعرهم. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم” ويقول رضي الله عنه: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسـلم المدينة يوم الاثنين ضحى فأنار منها كل شيء، وتوفي يوم الاثنين ضحى فأظلم منها كل شيء؛ وما إن نفضنا أيدينا من تربته حتى أنكرنا قلوبنا”‼ يقول أبو سفيان بن الحارث رضي الله عنه:
لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا تخشى ضلالاً علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول
وكان رجل تلك الأزمة أبا بكر الصديق رضي الله عنه حيث رد الناس إلى دين الله وثبت أركانه، حين أعلن خبر وفاة النبي عليه الصلاة والسلام؛ وحين اجتمع بالناس في سقيفة بني ساعدة فبويع بالخلافة، وحين بيَّن دستور خلافته، وحين جهَّز الجيوش لقتال المرتدين ومن منعوا الزكاة، وأقام الخلافة الراشدة، يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس حقاً صدق الرسلا
2/ وكانت الأزمة الثانية متمثلة في ظهور تيار الفكر الغالي المتطرف الذي يستحل دماء المسلمين بأدنى شبهة، ولا يتورع عن تكفير خيار الناس؛ مما أدى إلى سقوط الخلافة الراشدة التي كانت أحكامها أشبه الأحكام بأحكام النبوة ومقتل رجلين من الراشدين هما عثمان وعلي رضوان الله عليهما. هؤلاء الغلاة الظلمة الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسـلم في الحديث المتفق عليه عن علي بن أبي طالب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة) وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم ومسند أحمد عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد السهم إلى فُوقه، هم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم، سيماهم التحالق) وقد خرجت هذه الفرقة في عهد الصحابة، وكفرت الصحابة، واستباحت دماء المسلمين، وأحدثت في الأمة بلاء كبيراً.
وكان رجل تلك الأزمة الحسن بن علي رضي الله عنه الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسـلم وعن حاله حين قال (إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فما استطاع أن يستمر في الخلافة، لكنه استطاع أن يحمي بيضة الأمة وأن يحقن دماءها، وأن ينقل الأمة نقلاً سهلاً سلساً بغير دماء من مرحلة الخلافة الراشدة إلى مرحلة الملك العاض المحافظ على اجتماع الكلمة ووحدة الصف وتطبيق شرع الله عز وجل
3/ الأزمة الديمغرافية حين صار العرب قلة في المسلمين ودخلت في الإسلام أمم ذات حضارات عريقة، وكانوا هم الكثرة الكاثرة حيث رأى هؤلاء أنفسهم أجدر من العرب بحكم الناس وأدرى بسياسة الناس، وأن العرب ليسوا مؤهلين للقيام بهذا الأمر على الوجه المطلوب، وهذه الأزمة ظهرت في منتصف خلافة بني أمية، وكان من نتائجها سقوط دولة بني أمية عام 132هــــ
وسبب ذلك حنين أولئك – خاصة الفرس – إلى الحكم؛ وقامت ثورتهم على ثلاثة أمور: أولها الشعوبية وهو الشعور بتفوق العنصر الفارسي على العنصر العربي، ثانيها: الطعن في عقائد الإسلام وإشاعة الزندقة بين الناس. ثالثها: البحث عن مظلومية آل البيت التي تعرضوا لها في عهد بني أمية
وقد أحدث التوازن في تلك الفترة دخول الأتراك في الإسلام فمثلوا السنة حين أقاموا دولة السلاجقة التي تمثلهم في مقابل الدولة البويهية التي كانت تمثل الخراسانيين الشيعة
وكان رجال تلك الأزمة هم أئمة المذاهب الذين حافظوا على بيضة الدين، ووقفوا سداً منيعاً في وجه الزنادقة الذين أرادوا بهذه الأمة شراً حين اتبعوا ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
4/ الغزو الخارجي بداية من الحملات الصليبية ثم غزو التتار، وقد تطاولت هذه الأزمة وطال وقتها، وكان رجال تلك الأزمة بعض الأمراء من أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز والظاهر بيبرس، وبعض العلماء من أمثال العز بن عبد السلام وأبي العباس بن تيمية الذين وقفوا في وجه تلك الأزمة وقادوا الأمة للجهاد وانتصروا في عدة معارك بعد أن صارت الخلافة صورية والخليفة لا يملك من الأمر شيئا
5/ سقوط الخلافة العثمانية ومجيء الاستعمار الخارجي وتقطيع العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة متحاربة فيما بينها، وتحولت الأمة من الملك العاض إلى الملك الجبري، الذي ليس فيه محافظة على تطبيق الإسلام ولا وحدة الكلمة، وكان رجال تلك الأزمة هم الحركة الإسلامية ومنشئوها الذين وقفوا سداً منيعاً في وجه الغزو الفكري والغزو الاقتصادي والغزو التعليمي والغزو العسكري، وسعوا في محاربة الاستعمار ومقاومته
6/ الأزمة السادسة والتي لا تزال تدور رحاها هي أزمة السعي إلى تبديل الدين وتغييره بالكلية وصناعة إسلام جديد وديع على مقاس الغرب لا يمثل لهم مشكلة ولا خطورة، وتمثل ذلك في السعي إلى إلغاء مرجعية الإسلام، والطعن في السنة النبوية ثم بعد ذلك الطعن في كتاب الله والطعن في المقدسات، وتشكيك المسلمين في دينهم وإشاعة الإلحاد والانحراف، وتغيير المناهج حتى تصير فاسدة، وتغيير الدول التي فيها بعض الالتزام والصلاح حتى تصير تابعة للغرب، وقد استغل في ذلك بعض الحكام ومن رضي أني بيع دينه من العلماء